" صفحة رقم ٦٦ "
( ٤ )
وهذه الجملة وما عطف عليها بيان لجملة ) نتلو ( ( القصص : ٣ ) أو بيان ل ) نبأ موسى وفرعون ( ( القصص : ٣ ) فقدم له الإجمال للدلالة على أنه نبأ له شأن عظيم وخطر بما فيه من شتى العبر. وافتتاحها بحرف التوكيد للاهتمام بالخبر.
وابتدئت القصة بذكر أسبابها لتكون عبرة للمؤمنين يتخذون منها سنناً يعلمون بها علل الأشياء ومعلولاتها، ويسيرون في شؤونهم على طرائقها، فلولا تجبر فرعون وهو من قبيح الخلال من حلّ به وبقومه الاستئصال، ولما خرج بنو إسرائيل من ذل العبودية. وهذا مصداق المثل : مصائب قوم عند قوم فوائد، وقوله تعالى ) وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ( ( البقرة : ٢١٦ ).
وصورت عظمة فرعون في الدنيا بقوله ) علا في الأرض ( لتكون العبرة بهلاكه بعد ذلك العلو أكبر العبر.
ومعنى العلوّ هنا الكِبْر، وهو المذموم من العلو المعنوي كالذي في قوله تعالى ) نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ( ( القصص : ٨٣ ). ومعناه : أن يستشعر نفسه عالياً على موضع غيره ليس يساويه أحد، فالعلو مستعار لمعنى التفوّق على غيره، غير محقوق لحق من دين أو شريعة أو رعي حقوق المخلوقات معه فإذا استشعر ذلك لم يعبأ في تصرفاته برعي صلاح وتجنب فساد وضر وإنما يتبع ما تحدوه إليه شهوته وإرضاء هواه، وحسبك أن فرعون كان يجعل نفسه إلهاً وأنه ابن الشمس.
فليس من العلو المذموم رجحان أحد في أمر من الأمور لأنه جدير بالرجحان فيه جرياً على سبب رجحان عقلي كرجحان العالم على الجاهل والصالح على الطالح والذكي على الغبي، أو سبب رجحان عادي ويشمل القانوني وهو كل رجحان لا يستقيم نظام الجماعات إلا بمراعاته كرجحان أمير الجيش على جنوده ورجحان القاضي على المتخاصمين.
وأعدل الرجحان ما كان من قبل الدين والشريعة كرجحان المؤمن على