" صفحة رقم ١١٩ "
وجريان الفلك بالرياح من حكمة خلق الرياح ومن نعمه، وتقدم في آية سورة البقرة.
والتقييد بقوله ) بأمره ( تعليم للمؤمنين وتحقيق للمِنة، أي : لولا تقدير الله ذلك وجعله أسباب حصوله لما جرت الفلك، وتحت هذا معان كثيرة يجمعها إلهام الله البشر لصنع الفلك وتهذيب أسباب سيرها. وخلق نظام الريح والبحر لتسخير سيرها كما دل على ذلك قوله ) ولعلكم تشكرون (، وقد تقدم ذلك في سورة الحج، وتقدم هنالك معنى ) لتبتغوا من فضله ).
هذه جملة معترضة مستطرَدة أثارها ذكر سير الفلك في عداد النعم فعُقب ذلك بما كان سير الفلك فيه تذكير بنقمة الطوفان لقوم نوح، وبجعل الله الفلكَ لنجاة نوح وصالحي قومه من نقمة الطوفان، فأريد تحذير المكذبين من قريش أن يصيبهم ما أصاب المكذبين قبلهم، وكان في تلك النقمة نصر المؤمنين، أي نصر الرسل وأتباعهم ؛ ألا ترى إلى حكاية قول نوح :( ربّ انصرني بما كذبون في سورة المؤمنين، وقوله تعالى هنا : وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ( والواو اعتراضية وليست للعطف.
والانتقام : افتعال من النَّقْم وهو الكراهية والغضب، وفعله كضرب وعلم قال تعالى ) وما تنقِم منا ( ( الأعراف : ١٢٦ ). وفي المثل : مثَله كمثل الأرقم إن يُقتل يَنقَم بفتح القاف وإن يترك يَلْقم. والانتقام : العقوبة لمن يفعل ما لا يرضي كأنه صيغ منه الافتعال للدلالة على حصول أثر النقم، وقد تقدم عند قوله تعالى :( وما تنقم منا ( وقوله ) فانتقمنا منهم ( في سورة الأعراف.
وكلمة ) حقاً علينا ( من صيغ الالتزام، قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام :( حقيقٌ عليّ أن لا أقول على الله إلاَّ الحق ( ( الأعراف : ١٠٥ )، وهو محقوق بكذا، أي : لازم له، قال الأعشى :