" صفحة رقم ١٥٢ "
بلسان الإلهام، إلاَّ كوَهَم من الأوهام، ما أورثني التجافيَ عن دار الغرور، والإنابة إلى دار السرور، الخ.
وكان أول ما لُقنه لقمان من الحكمة هو الحكمة في نفسه بأن أمره الله بشكره على ما هو محفوف به من نعم الله التي منها نعمة الاصطفاء لإعطائه الحكمة وإعداده لذلك بقابليته لها. وهذا رأس الحكمة لتضمنه النظر في دلائل نفسه وحقيقته قبل النظر في حقائق الأشياء وقبل التصدي لإرشاد غيره، وأن أهم النظر في حقيقته هو الشعور بوجوده على حالة كاملة والشعور بموجده ومفيض الكمال عليه، وذلك كله مقتض لشكر موجده على ذلك. وأيضاً فإن شكر الله من الحكمة، إذ الحكمة تدعو إلى معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه لقصد العمل بمقتضى العلم، فالحكيم يبث في الناس تلك الحقائق على حسب قابلياتهم بطريقة التشريع تارة والموعظة أخرى، والتعليم لقابليه مع حملهم على العمل بما علموه من ذلك، وذلك العمل من الشكر إذ الشكر قد عُرف بأنه صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من مواهب ونِعم فيما خلق لأجله ؛ فكان شكر الله هو الأهم في الأعمال المستقيمة فلذلك كان رأس الحكمة لأن من الحكمة تقديم العلم بالأنفع على العلم بما هو دونه ؛ فالشكر هو مبدأ الكمالات علماً، وغايتها عملاً.
وللتنبيه على هذا المعنى أعقب الله الشكر المأمور به ببيان أن فائدته لنفس الشاكر لا للمشكور بقوله ) ومَن يشكر فإنما يشكر لنفسه ( لأن آثار شكر الله كمالات حاصلة للشاكر ولا تنفع المشكور شيئاً لغناه سبحانه عن شكر الشاكرين، ولذلك جيء به في صورة الشرط لتحقيق التعلق بين مضمون الشرط ومضمون الجزاء، فإن الشرط أدل على ذلك من الإخبار. وجيء بصيغة حصر نفع الشكر في الثبوت للشاكر بقوله ) فإنما يشكر لنفسه ( أي ما يشكر إلا لفائدة نفسه، ولام التعليل مؤذنة بالفائدة. وزيد ذلك تبيناً بعطف ضده بقوله ) ومَن كفر فإن الله غنيّ حميد ( لإفادة أن الإعراض عن الشكر بعد استشعاره كفر للنعمة وأن الله غنيّ عن شكره بخلاف شأن المخلوقات إذ يكسبهم الشكر فوائد بين بني جنسهم تجر إليهم منافع الطاعة أو