" صفحة رقم ١٨٢ "
ففُرضت الأشجار كلها مقسمة أقلاماً، وفرض أن يكون البحر مداداً فكُتب بتلك الأقلام وذلك المدادِ لنفِد البحر ونفِدت الأقلام وما نفدت كلمات الله في نفس الأمر.
وأما قوله تعالى :( وتَمَّت كلمات ربّك صدقاً وعدلاً ( ( الأنعام : ١١٥ ) فالتمام هنالك بمعنى التحقق والنفوذ، وتقدم قوله تعالى :( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته في سورة الأنفال. وقد نُظمت هذه الآية بإيجاز بديع إذ ابتُدئت بحرف لو ( فعلم أن مضمونها أمر مفروض، وأن ل ) لو ( استعمالات كما حققه في ( مغنى اللبيب ) عن عبارة سيبويه. وقد تقدم عند قوله تعالى ) ولو أسمعهم لتولَّوا وهم معرضون في سورة الأنفال.
ومن شجرة ( بيان ل ) ما ( الموصولة وهو في معنى التمييز فحقه الإفراد، ولذلك لم يقل : من أشجار. والأقلام : جمع قلَم وهو العود المشقوق ليرفع به المداد ويكتب به، أي : لو تصير كل شجرة أقلاماً بمقدار ما فيها من أغصان صالحة لذلك. والأقلام هو الجمع الشائع لقلَم فيرَد للكثرة والقلة. و ) يَمّده ( بفتح الياء التحتية وضم الميم، أي : يزيده مِداداً. والمداد بكسر الميم الحِبر الذي يُكتب به. يقال : مَد الدَّوَاةَ يمدُها. فكان قوله ) يمده ( متضمناً فرض أن يكون البحر مداداً ثم يُزاد فيه إذا نشف مدادُه سبعةُ أبحر، ولو قيل : يُمده، بضم الميم من أمد لفات هذا الإيجاز.
والسبعة : تستعمل في الكناية عن الكثرة كثيراً كقول النبي ( ﷺ ) ( والكافر يأكل في سبعة أمعاء ) فليس لهذا العدد مفهوم، أي والبحر يمده أبحر كثيرة.
ومعنى ) ما نفدت كلمات الله ( ما انتهت، أي : فكيف تحسب اليهود ما في التوراة هو منتهى كلمات الله، أو كيف يحسب المشركون أن ما نزل من القرآن أوشك أن يكون انتهاء القرآن، فيكون المَثل على هذا الوجه الآخر وارداً مورد المبالغة في كثرة ما سينزل من القرآن إغاظة للمشركين، فتكون ) كلمات الله ( هي القرآن، لأن المشركين لا يعرفون كلمات الله التي لا يحاط بها.


الصفحة التالية
Icon