" صفحة رقم ٢٠٥ "
افتتحت السورة بالتنويه بشأن القرآن لأنه جامع الهدى الذي تضمنته هذه السورة وغيرها ولأن جماع ضلال الضالّين هو التكذيب بهذا الكتاب، فالله جعل القرآن هدى للناس وخصّ العرب أن شَرفهم بجعلهم أولَ من يتلقّى هذا الكتاب، وبأنْ أنزله بلغتهم، فكان منهم أشد المكذبين بما جاء به، لا جرم أن تكذيب أولئك المكذبين أعرق في الضلالة وأوغل في أفَن الرأي. وافتتاح الكلام بالجملة الاسمية لدلالتها على الدَوام والثبات.
وجيء بالمسند إليه معرفاً بالإضافة لإطالته ليحصل بتطويله ثم تعقيبه بالجملة المعترضة التشويقُ إلى معرفة الخبر وهو قوله ﴿مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ولولا ذلك لقيل: قرآن منزل من رب العالمين أو نحو ذلك. وإنما عدل عن أسلوب قوله﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ في سورة البقرة، لأن تلك السورة نازلة بين ظهراني المسلمين ومن يُرجى إسلامهم من أهل الكتاب وهم ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ (البقرة: ٤)؛ وأما هذه السورة فقد جابَه الله بها المشركين الذين لا يؤمنون بالإله الواحد ولا يوقنون بالآخرة فهم أصلب عُوداً، وأشد كفراً وصُدوداً.
فقوله ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ﴾ مبتدأ، وقوله ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ جملة هي صفة للكتاب أو حال أو هي معترضة.


الصفحة التالية
Icon