" صفحة رقم ٢٠٦ "
وقوله ﴿مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ خبر عن المبتدأ و﴿مِنَ﴾ ابتدائية.
والمعنى: من عنده ووحيه، كما تقول: جاءني كتاب من فلان. ووقعت جملة ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ بأسلوب المعلوم المقرّر فلم تجعل خبراً ثانياً عن المبتدأ لزيادة التشويق إلى الخبر ليقرر كونه من رب العالمين.
ومعنى ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أنه ليس أهلاً لأن يرتاب أحد في تنزيله من ربِّ العالمين لما حفّ بتنزيله من الدلائل القاطعة بأنه ليس من كلام البشر بسبب إعجاز أقصر سورة منه فضلاً عن مجموعه، وما عضده من حال المرسَل به من شهرة الصدق والاستقامة، ومجيء مثله من مثله مع ما هو معلوم من وصف الأمية. فمعنى نفي أن يكون الريب مظروفاً في هذا الكتاب أنه لا يشتمل على ما يثير الريب، فالذين ارتابُوا بل كذبوا أن يكون من عند الله فهم لا يعْدُون أن يكونوا متعنّتين على علم، أو جُهّالاً يقولون قبل أن يتأملوا وينظروا؛ والأولون زعماؤهم والأخيرون دهماؤهم، وقد تقدم ذلك في أول سورة البقرة.
واستحضار الجلالة بطريق الإضافة بوصف ﴿رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ دون الاسم العلَم وغيره من طرق التعريف لما فيه من الإيماء إلى عموم الشريعة وكون كتابها منزّلاً للناس كلهم بخلاف ما سبق من الكتب الإلهية، كما قال تعالى: ﴿مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ (المائدة: ٤٨). وفيه إيماء إلى أن من جملة دواعي تكذيبهم به أنه كيف خص الله برسالته بشراً منهم حسداً من عند أنفسهم لأن ربوبية الله للعالمين تنبىء عن أنه لا يُسأل عما يفعل وأنه أعلم حيث يجعل رسالاته.
جاءت ﴿أَمْ﴾ للإضراب عن الكلام السابق إضرابَ انتقال، وهي ﴿أَمْ﴾ المنقطعة التي بمعنى بل التي للإضراب.