" صفحة رقم ٢٠٨ "
وتخلصاً إلى تصديقه لأنه إذا كان الكتاب الذي جاء به حقاً من عند الله فهو رسول الله حقاً.
وقد جاءت هذه الآية على أسلوب بديع الإحكام إذ ثبت أن الكتاب تنزيل من رب جميع الكائنات، وأنه يحق أن لا يرتاب فيه مرتاب، ثم انتقل إلى الإنكار والتعجيب من الذين جزموا بأن الجائي به مفتر على الله، ثم رد عليهم بإثبات أنه الحق الكامل من ربِّ الذي نَسبوا إليه افتراءه فلو كان افتراه لقدر الله على إظهار أمره كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ (الحاقة: ٤٤ ـ ٤٧). ثم جاء بما هو أنكى للمكذبين وأبلغ في تسفيه أحلامهم وأوغل في النداء على إهمالهم النظر في دقائق المعاني، فبين ما فيه تذكرة لهم ببعض المصالح التي جاء لأجلها هذا الكتاب بقوله: ﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ فقد جمعوا من الجهالة ما هو ضِغْث على إبَّالَة، فإن هذا الكتاب، على أن حقيته مقتضية المنافسة في الانتفاع به ولو لم يُلفَتُوا إلى تقلده وعلى أنهم دعوا إلى الأخذ به وذلك مما يوجب التأمل في حقّيته؛ على ذلك كلِّه فهم كانوا أحوج إلى اتباعه من اليهود والنصارى والمجوس لأن هؤلاء لم تسبق لهم رسالة مرسل فكانوا أبعد عن طرق الهدى بما تعاقب عليهم من القرون دون دعوة رسول فكان ذلك كافياً في حرصهم على التمسك به وشعورهم بمزيد الحاجة إليه رجاء منهم أن يهتدوا، قال تعالى: ﴿وَهَاذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَن تَقُولُوا إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَى مِنْهُمْا فَقَدْ جَآءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِاَايَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾ (الأنعام: ١٥٥ ـ ١٥٧)، فمثَل هؤلاء المكذبين كمَثل قول المعري:
هل تَزجرنَّكُمُ رِسالةُ مرسَل
أم ليس ينفع في أُولاَك ألُوكُ
والقوم: الجماعة العظيمة الذين يجمعهم أمر هو كالقِوام لهم من نسب أو موطن أو غرض تجمعوا بسببه. وأكثر إطلاقه على الجماعة الذين يرجعون في


الصفحة التالية
Icon