" صفحة رقم ٢١٠ "
وهي عجوز وأنه قال لها: "مرحباً بابنة نبيء ضَيَّعه قومُه". وليس لذلك سند صحيح. وأيَّاً مَّا كان فالعرب كلهم أو الذين شملتهم دعوة الإسلام يومئذ يحق عليهم وصف ﴿مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ﴾ من وقت تحقق قوميتهم.
والمقصود به: تذكيرهم بأنهم أحوج الأقوام إلى نذير، إذ لم يكونوا على بقية من هُدى وأثارةُ هِمَمهم لاغتباط أهل الكتاب ليتقبلوا الكتاب الذي أنزل إليهم ويسبقوا أهل الكتاب إلى اتّباعه؛ فيكون للمؤمنين منه السبْق في الشرع الأخير كما كان لمن لم يُسلم من أهل الكتاب السبق ببعض الاهتداء وممارسة الكتاب السابق. وقد اهتم بعض أهل الأحلام من العَرب بتطلب الدين الحق فتهوّد كثير من عرب اليمن، وتنصّرتْ طيء وكَلْب وتغلب وغيرهم من نصارى العرب، وتتبع الحنيفية نفر مثل قُسّ بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نُفيل، وأمية بن أبي الصلت، وكان ذلك تطلباً للكمال ولم يأتهم رسول بذلك.
وهذا التعليل لا يقتضي اقتصار الرسالة الإسلامية على هؤلاء القوم ولا ينافي عموم الرسالة لمن أتاهم نذير، لأن لام العلة لا تقتضي إلا كون ما بعدها باعثاً على وقوع الفعل الذي تعلقت به دون انحصار باعثثِ الفعل في تلك العلة، فإن الفعل الواحد قد تكون له بواعث كثيرة، وأفعال الله تعالى منوطة بحكم عديدة، ودلائلُ عموم الرسالة متواترة من صريح القرآن والسنّة ومن عموم الدعوة.
وقيل: أُريد بالقوم الذين لم يأتهم نذير من قبلُ جميعُ الأمم، وأن المراد بأنهم لم يأتهم نذير أنهم كلَّهم لم يأتهم نذير بعد أن ضلّوا، سواء منهم من ضلّ في شرعه مثل أهل الكتاب، ومن ضلّ بالخلو عن شرع كالعَرب. وهذا الوجه بعيد عن لفظ (قوم) وعن فعل ﴿أَتَاهُم﴾ ومفيتٌ للمقصود من هذا الوصف كما قدمناه. وأما قضية عموم الدعوة المحمدية فدلائلها كثيرة من غير هذه الآية. و(لعلّ) مستعارة تمثيلاً لإرادة اهتدائهم والحرص على حصوله.


الصفحة التالية
Icon