" صفحة رقم ٢١٤ "
و﴿أَلْفَ﴾ عند العرب منتهى أسماءِ العدد وما زاد على ذلك من المعدودات يعبر عنه بأعداد أخرى مع عدد الألف كما يقولون خمسة آلاف، ومائة ألف، وألف ألف.
وألف يجوز أن يستعمل كناية عن الكثرة الشديدة كما يقال: زرتُك ألفَ مرة، وقوله تعالى: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (البقرة: ٩٦)، وهو هنا بتقدير كاف التشبيه أو كلمة نَحْوَ، أي كان مقداره كألف سنة أو نحو ألف سنة كما في قوله: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ (الحج: ٤٧). ويجوز أن يكون ﴿أَلْفَ﴾ مستعملاً في صريح معناه. وقوله: ﴿مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ أي: مما تحسبُون في أعدادكم، و﴿مَّآ﴾ مصدرية أو موصولية وهو وصف لـ﴿أَلْفَ سَنَةٍ﴾. وهذا الوصف لا يقتضي كون اسم ألف مستعملاً في صريح معناه لأنه يجوز أن يكون إيضاحاً للتشبيه فهو قريب من ذكر وجه الشبه مع التشبيه، وقد يترجح أن هذا الوصف لما كان في معنى الموصوف صار بمنزلة التأكيد اللفظي لمدلوله فكان رافعاً لاحتمال المجاز في العدد.
جيء بالإشارة إلى اسم الجلالة بعدما أجري عليه مِن أوصاف التصرف بخلق الكائنات وتدبير أمورها للتنبيه على أن المشار إليه باسم الإشارة حقيق بما يَرِد بعد اسم الإشارة من أجل تلك الصفات المتقدمة كما تقدم في قوله تعالى: ﴿أُوالَا ا ِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ في سورة البقرة، لا جرم أن المتصرف بذلك الخلق والتدبير عالم بجميع مخلوقاته ومحيط بجميع شؤونها فهو عالم الغيب، أي: ما غاب عن حواس الخلق، وعالِمُ الشهادة، وهو ما يدخل تحت إدراك الحواس، فالمراد بالغيب والشهادة: كل غائب وكل مشهود. والمقصود هو علم الغيب لأنهم لما أنكروا البعث وإحياء الموتى كانت شبهتهم في إحالته أن أجزاء الأجسام تفرقت وتخللت الأرضَ، ولذلك عقب بقوله بعده وقالوا ﴿أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الارْضِ أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدا ﴾ (السجدة: ١٠). وأما عطف ﴿وَالشَّهَادَةِ﴾ فهو تكميل واحتراس.


الصفحة التالية
Icon