" صفحة رقم ٢١٦ "
وتخلص من هذا الوصف العام إلى خلْق الإنسان لأن في خلقة الإنسان دقائق في ظاهره وباطنه وأعظمها العقل.
و﴿الانسَانِ﴾ (الأعراف: ١١)، أي: خلقنا أباكم ثم صورناه ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم. ويدل على هذا المعنى هنا قوله: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُا مِن سُلَالَةٍ﴾ فإن ذلك بُدِىء من أول نسل لآدم وحواء، وقد تقدم خلْق آدم في سورة البقرة. و﴿مِنَ﴾ في قوله ﴿مِن طِينٍ﴾ ابتدائية.
والنسل: الأبناء والذرية. سمي نسلاً لأنه ينسل، أي: ينفصل من أصله وهو مأخوذ من نَسَلَ الصوفُ والوَبَر إذا سقط عن جلد الحيوان، وهو من بابي كتب وضرب.
و﴿مِنَ﴾ في قوله ﴿مِن سُلَالَةٍ﴾ ابتدائية. وسميت النطفة التي يتقوم منها تكوين الجنين سُلالة كما في الآية لأنها تنفصل عن الرجل، فقوله ﴿مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ بيان لـ ﴿سُلَالَةٍ﴾ و﴿مِنَ﴾ بيانية فالسلالة هي الماء المهين، هذا هو الظاهر لمتعارف الناس؛ ولكن في الآية إيماء علمي لم يدركه الناس إلا في هذا العصر وهو أن النطفة يتوقف تكوّن الجنين عليها لأنه يتكون من ذرات فيها تختلط مع سلالة من المرأة وما زاد على ذلك يذهب فضلة، فالسلالة التي تنفرز من الماء المهين هي النسل لا جميع الماء المهين، فتكون ﴿مِنَ﴾ في قوله ﴿مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ للتبعيض أو للابتداء.
والمهين: الشيء الممتهن الذي لا يعبأ به. والغرض من إجراء هذا الوصف عليه الاعتبار بنظام التكوين إذ جعل الله تكوين هذا الجنس المكتمل التركيب العجيب الآثار من نوع ماء مهراق لا يُعبأ به ولا يصان.
والتسوية: التقويم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الانسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (التين: ٤). والضمير المنصوب في ﴿سَوَّا هُ﴾ عائد إلى ﴿نَسْلَهُ ﴾ لأنه أقرب مذكور ولأنه ظاهر العطف بـ ﴿ثُمَّ﴾ وإن كان آدم قد سُوِّي ونفخ فيه من الروح، قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُا وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُا سَاجِدِينَ﴾ (ص: ٧٢). وذكر التسوية ونفخ الروح في جانب النسل يؤذن بأن أصله كذلك، فالكلام إيجاز.


الصفحة التالية
Icon