" صفحة رقم ٢٥٤ "
من التمهيد لأنها تشتمل على ما يوضح المقصد بخلاف التمهيد، فهذا مقدمة لِما أمر النبي ( ﷺ ) باتباعه مِما يوحَى إليه وهو تشريع الاعتبار بحقائق الأشياء ومعانيها، وأن مواهي الأمور لا تتغير بما يلصق بها من الأقوَال المنافية للحقائق، وأن تلك الملصقات بالحقائق هي التي تحجب العقول عن التفهم في الحقائق الحق، وهي التي تَرِينُ على القلوب بتلبيس الأشياء.
وذُكر ها هنا نوعان من الحقائق :
أحدهما : من حقائق المعتقدات لأجل إقامة الشريعة على العقائد الصحيحة، ونبذ الحقائق المصنوعة المخالفة للواقع لأن إصلاح التفكير هو مفتاح إصلاح العمل، وهذا ما جعل تأصيله إبطال أن يكون الله جعل في خلق بعض الناس نظاماً لم يجعله في خلق غيرهم.
وثاني النوعين : من حقائق الأعمال لتقوم الشريعة على اعتبار مواهي الأعمال بما هي ثابتة عليه في نفس الأمر إلا بالتوهم والادعاء. وهذا يرجع إلى قاعدة أن حقائق الأشياء ثابتة وهو ما أُشير إليه بقوله تعالى :( وما جَعَل أزواجكم اللاّء تَظَّهَّرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق، أي : لا يقول الباطل مثل بعض أقوالكم من ذلك القبيل. والمقصود : التنبيه إلى بطلان أمور كان أهل الجاهلية قد زعموها وادّعوها. وابتدىء من ذلك بما دليل بطلانه الحس والاختبار ليعلم من ذلك أن الذين اختلقوا مزاعم يشهد الحس بكذبها يهون عليهم اختلاق مزاعم فيها شُبه وتلبيس للباطل في صورة الحق فيتلقى ذلك بالإذعان والامتثال.
والإشارة بقوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ( إلى أكذوبة من تكاذيب الجاهلية كانوا يزعمون أن جميل بن معمر ويقال : ابن أسد بن حبيب الجُمحي الفهري وكان رجلاً داهية قوي الحفظ أن له قلبين يعملان ويتعاونان وكانوا يدْعونه ذَا القلبين يريدون العقلين لأنهم كانوا يحسبون أن الإدراك بالقلب وأن القلب محل العقل. وقد غرّه ذلك أو تغارر به فكان لشدة كفره يقول :( إن في جوفي قلبين أعمَل بكل واحد منهما عَملاً أفضل من عمل محمد ). وسمّوا بذي