" صفحة رقم ٢٨١ "
وليس الكلام على الحقيقة، فإن القلوب لا تتجاوز مكانها، وقريبٌ منه قولهم : تنفّس الصُعَداء، وبلغت الروح التراقيَ.
وجملة وتظنون بالله الظنونا ( يجوز أن تكون عطفاً على جملة ) زاغت الأبصار، ( ويجوز أن يكون الواو للحال وجيء بالفعل المضارع للدلالة على تجدد تلك الظنون بتجدد أسبابها كناية عن طول مدة هذا البلاء.
وفي صيغة المضارع معنى التعجيب من ظنونهم لإدماج العتاب بالامتنان فإن شدة الهلع الذي أزاغ الأبصار وجعل القلوب بمثل حالة أن تبلغ الحناجر، دل على أنهم أشفقوا من أن يهزموا لِمَا رأوا من قوة الأحزاب وضيق الحصار أو خافوا طول مدة الحرب وفناء الأنفس، أو أشفقوا من أن تكون من الهزيمة جراءة للمشركين على المسلمين، أو نحو ذلك من أنواع الظنون وتفاوت درجات أهلها.
والمؤمن وإن كان يثق بوعد ربه لكنه لا يأمن غضبه من جراء تقصيره، ويخشى أن يكون النصر مرجَّأ إلى زمن آخر، فإن ما في علم الله وحكمته لا يحاط به.
وحذف مفعولا ) تظنون ( بدون وجود دليل يدل على تقديرهما فهو حذف لتنزيل الفعل منزلة اللازم، ويسمى هذا الحذف عند النحاة الحذف اقتصاراً، أي : للاقتصار على نسبة فعل الظن لفاعله، والمقصود من هذا التنزيل أن تذهب نفس السامع كل مذهب ممكن، وهو حذف مستعمل كثيراً في الكلام الفصيح وعلى جوازه أكثر النحويين ومنه قوله تعالى :( أعنده علم الغيب فهو يَرى ( ( النجم : ٣٥ ) وقوله :( وظننتم ظن السوء ( ( الفتح : ١٢ )، وقول المثل : من يسمع يَخل، ومنعه سيبويه والأخفش.
وضُمِّن ) تظنّون معنى تُلحقون، فعدي بالباء فالباء للملابسة. قال سيبويه : قولهم : ظننت به، معناه : جعلته موضع ظنّي. وليست الباء هنا بمنزلتها في كفى بالله حسيباً ( ( النساء : ٦ )، أي : ليست زائدة، ومجرورها معمول للفعل قبلها كأنك قلت : ظننت في الدار، ومثله : شككت فيه، أي : فالباء عنده بمعنى ( في ). والوجه أنها للملابسة كقول دريد بن الصِّمَّة :
فقلت لهم : ظُنوا بألفي مدجج
سراتهم في الفارسي المسرد


الصفحة التالية
Icon