" صفحة رقم ٥٦ "
والنظر : هنا نظر العين لأن قريشاً كانوا يمرّون في أسفارهم إلى الشام على ديار ثمود وقوم لوط وفي أسفارهم إلى اليمن على ديار عاد. وكيفية العاقبة هي حالة آخر أمرهم من خراب بلادهم وانقطاع أعقابهم فعاضد دلالة التفكر التي في قوله أولم يتفكروا في أنفسهم ( ( الروم : ٨ ) الآية بدلالة الحس بقوله :( فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم. وكيف ( استفهام معلِّق فعل ) ينظروا ( عن مفعوله، فكأنه قيل : فينظروا ثم استؤنف فقيل : كيف كان عاقبة الذين من قبلهم.
والعاقبة : آخر الأمر من الخير والشرّ، بخلاف العُقبى فهي للخير خاصة إلا في مقام المشاكلة، وتقدم ذكر العاقبة في قوله ) والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقين في الأعراف. وقد جمع قوله فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( وعيداً على تكذيبهم النبي ( ﷺ ) وتجهيلاً لإحالتهم الممكنَ، حيث أيقنوا بأن الفرس لا يُغلَبون بعد انتصارهم. فهذه آثار أمم عظيمة كانت سائدة على الأرض فزال ملكهم وخلت بلادهم من سبب تغلب أمم أخرى عليهم.
والمراد بالذين من قبلهم : عاد وثمود وقوم لوط وأمثالهم الذين شاهد العرب آثارهم. والمعنى : أنهم كانوا من قبلهم في مثل حالتهم من الشرك وتكذيب الرسل المرسلين إليهم، كما دل عليه قوله عقبه ) كانوا أشد منهم قوة ( الآية.
كل أولئك كانوا أشد قوة من قريش وأكثر تعميراً في الأرض، وكلهم جاءتهم رسل، وكلهم كانت عاقبتهم الاستئصال، كل هذه ما تُقرّ به قريش.