" صفحة رقم ٥٩ "
وتقديم أنفسهم ( وهو مفعول ) يظلمون ( على فعله للاهتمام بأنفسهم في تسليط ظلمهم عليها لأنه ظلم يتعجب منه، مع ما فيه من الرعاية على الفاصلة. وليس تقديم المفعول هنا للحصر لأن الحصر حاصل من جملتي النفي والإثبات.
) ثم ( للتراخي الرتبي لأن هذه العاقبة أعظم رتبة في السوء من عذاب الدنيا، فيجوز أن يكون هذا الكلام تذييلاً لحكاية ما حلّ بالأمم السالفة من قوله ) كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( ( الروم : ٩ ).
والمعنى : ثم عاقبةُ كل من أساءوا السوأى مثلَهم، فيكون تعريضاً بالتهديد لمشركي العرب كقوله تعالى ) دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها ( ( محمد : ١٠ )، فالمراد ب ) الذين أساءوا ( كل مسيىء من جنس تلك الإساءة وهي الشرك. ويجوز أن يكون إنذاراً لمشركي العرب المتحدث عنهم من قوله ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( ( الروم : ٦ ) فيكونوا المراد ب ) الذين أساءوا، ( ويكون إظهاراً في مقام الإضمار على خلاف مقتضى الظاهر لقصد الإيماء بالصِلة، أي أن سبب عاقبتهم السوأى هو إساءتهم، وأصل الكلام : ثم كان عاقبتهم السوأى. وهذا إنذار بعد الموعظة ونص بعد القياس، فإن الله وعظ المكذبين للرسول ( ﷺ ) بعواقب الأمم التي كذبت رسلها ليكونوا على حذر من مثل تلك العاقبة بحكم قياس التمثيل، ثم أعقب تلك الموعظة بالنذارة بأنهم ستكون لهم مثل تلك العاقبة، وأوقع فعل ) كان الماضي في موقع المضارع للتنبيه على تحقيق وقوعه مثل أتى أمر الله ( ( النحل : ١ ) إتماماً للنذارة.
والعاقبة : الحالة الأخيرة التي تعقب حالة قبلها. وتقدمت في قوله :( ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين في سورة الأنعام، وقوله : والعاقبة للتقوى في سورة طه


الصفحة التالية
Icon