" صفحة رقم ٧٠ "
فعلموا أنهم مخلوقون من تراب، فبذلك استقام جعل التكوين من التراب آية للناس أي علامة على عظيم القدرة مع كونه أمراً خفياً. على أنه يمكن أن يكون الاستدلال مبنياً على ما هو شائع بين البشر أن أصل الإنسان تراب حسبما أنبأت به الأديان كلها. وبهذا التأويل يصح أيضاً أن يكون معنى خلقكم من تراب ( خلق أصلكم وهو آدم، وأول الوجوه أظهرها. فالتراب موات لا حياة فيه وطبعه مناففٍ لطبع الحياة لأن التراب بارد يابس وذلك طبع الموت، والحياةُ تقتضي حرارة ورطوبة فمن ذلك البارد اليابس ينشأ المخلوق الحي المدرك. وقد أشير إلى الحياة والإدراك بقوله ) إذا أنتم بشر، ( وإلى التصرف والحركة بقوله ) تنتشرون، ( ولما كان تمام البشرية ينشأ عن تطور التراب إلى نبات ثم إلى نطفة ثم إلى أطوار التخلق في أزمنة متتالية عطفت الجملة بحرف المهلة الدال على تراخي الزمن مع تراخي الرتبة الذي هو الأصل في عطف الجمل بحرف ) ثم.
وصدرت الجملة بحرف المفاجأة لأن الكون بشراً يظهر للناس فجأة بوضع الأجنة أو خروج الفراخ من البيض، وما بين ذلك من الأطوار التي اقتضاها حرف المهلة هي أطوار خفية غير مشاهدة ؛ فكان الجمع بين حرف المهلة وحرف المفاجأة تنبيهاً على ذلك التطور العجيب. وحصل من المقارنة بين حرف المهلة وحرف المفاجأة شبه الطباق وإن كان مرجع كل من الحرفين غير مرجع الآخر.
والانتشار : الظهور على الأرض والتباعد بين الناس في الأعمال قال تعالى فانتشروا في الأرض ( ( الجمعة : ١٠ ).
هذه آية ثانية فيها عظة وتذكير بنظام الناس العام وهو نظام الازدواج وكينونة


الصفحة التالية
Icon