" صفحة رقم ٩٣ "
وفي ( صحيح مسلم ) أن النبي ( ﷺ ) قال فيما يرويه عن ربه :( وإني خلقت عبادي حُنفاء كلهم أي غير مشركين وأنهم أتتهم الشياطين فأجالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحلَلْتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ) الحديث.
وجملة ) لا تبديل لخلق الله ( مبيِّنة لمعنى ) فطرة الله التي فطر الناس عليها ( فهي جارية مجرى حال ثالثة من ) الدّين ( على تقدير رابط محذوف. والتقدير : لا تبديل لخلق الله فيه، أي في هذا الدين، فهو كقوله في حديث أم زرع في قول الرابعة : زوجي كلَيْل تهامة لا حرَّ ولا قُرَّ ولا مخافة ولا سآمة أي في ذلك الليل.
فمعنى ) لا تبديل لخلق الله ( أنه الدين الحنيف الذي ليس فيه تبديل لخلق الله خلاف دين أهل الشرك، قال تعالى عن الشيطان :( ولآمرنهم فَلُيغيِّرُنَّ خلقَ الله ( ( النساء : ١١٩ ). ويجوز أن تكون جملة ) لا تبديل لخلق الله ( معترضة لإفادة النهي عن تغيير خلق الله فيما أودعه الفطرة. فتكون ) لا تبديل لخلق الله ( خبراً مستعملاً في معنى النهي على وجه المبالغة كقوله ) لا تَقْتُلوا أنفسكم ( ( النساء : ٢٩ ). فنفي الجنس مراد به جنس من التبديل خاص بالوصف لا نفي وقوع جنس التبديل فهو من العام المراد به الخصوص بالقرينة. واسم الإشارة لزيادة تمييز هذا الدين مع تعظيمه.
و ) القيِّم : وصف بوزن فَيْعِل مثل هيِّن وليِّن يفيد قوة الاتصاف بمصدره، أي البالغ قوة القيام مثل استقام الذي هو مبالغة في قام كاستجاب.
والقيام : حقيقته الانتصابُ ضد القعود والاضطجاع، ويطلق مجازاً على انتفاء الاعوجاج يقال : عود مستقيم وقيم، فإطلاق القيم على الدين تشبيه انتفاء الخطإ عنه باستقامة العود وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس، كما في قوله تعالى : ولم يجعل له عِوجاً قيماً ( الكهف : ١، ٢ ) وقال تعالى : ذلك الدين القيم في سورة براءة


الصفحة التالية
Icon