" صفحة رقم ٩٤ "
ويطلق أيضاً على الرعاية والمراقبة والكفالة بالشيء لأنها تستلزم القيام والتعهد قال تعالى أفَمَنْ هو قائم على كل نفس بما كسبت ( ( الرعد : ٣٣ )، ومنه قلنا لراعي التلامذة ومراقب أحوالهم : قَيِّم. ويطلق القيم على المهيمن والحافظ. والمعاني كلها صالحة للحمل عليها هنا، فإن هذا الكتاب معصوم عن الخطأ ومتكفل بمصالح الناس، وشاهد على الكتب السالفة تصحيحاً ونسخاً قال تعالى :( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه وتقدم في طالع سورة المائدة. فهذا الدين به قوام أمر الأمة. قال عمر بن الخطاب لمعاذ بن جبل : يا معاذ ما قِوام هذه الأمة ؟ قال : الإخلاص وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والصلاة وهي الدين، والطاعة وهي العصمة، فقال عمر : صدقت. يريد معاذٌ بالإخلاص التوحيد كقوله تعالى مخلصين له الدين حنفاء ( ( البينة : ٥ ).
والاستدراك في قوله ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( لدفع توهم واهِم يقول إذا كان هو دين الفطرة وهو القيِّم فكيف أعرض كثير من الناس عنه بعد تبليغه، فاستدرك ذلك بأنهم جهال لا علم عندهم فإن كان قد بلغهم فإنهم جهلوا معانيه لإعراضهم عن التأمل ولا يعلمون منه إلا ما لا يفيدهم مُهمهم لأنهم لم يسعوا في أن يَبلغهم على الوجه الصحيح ؛ ففعل ) لا يعلمون ( غير متطلب مفعولاً بل هو منزل منزلة اللازم لأن المعنى لا علم عندهم على نحو ما قرر في نظيره في أول هذه السورة.
والمراد ب ) أكثر الناس ( المشركون إذ أعرضوا عن دعوة الإسلام، وأهلُ الكتاب إذ أبوا اتباع الرسول ( ﷺ ) ومفارقة أديانهم بعد إبطالها لانتهاء صلاحية تفاريعها بانقضاء الأحوال التي شرعت لها انقضاء لا مطمع بعده لأن تعود.
ومقابل ) أكثر الناس ( هم المؤمنون، وشرذمة من علماء أهل الكتاب علموا أحقية الإسلام وبقُوا على أديانهم عناداً : فهم يعلمون ويكابرون، أو تحيُّراً : فهم في شك بين علم وجهل.