" صفحة رقم ١٩٢ "
احتجاج بالدليل النظري لأن الاعتراف بأن الله هو الرزاق يستلزم انفراده بإلاهيته إذ لا يجوز أن ينفرد ببعض صفات الإِلاهية ويشارك في بعض آخر فإن الإِلهية حقيقة لا تقبل التجزئة والتبعيض.
وأعيد الأمر بالقول لزيادة الاهتمام بالمقول فإن أصل الأمر بالقول في مقام التصدّي للتبليغ دال على الاهتمام، وإعادة ذلك الأمر زيادة في الاهتمام.
و ) مَن ( استفهام للتنبيه على الخطأ ولذلك أعقب بالجواب من طرف السائل بقوله :( قل الله ( لتحقق أنهم لا ينكرون ذلك الجواب كما في قوله تعالى :( قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار إلى قوله : فسيقولون اللَّه في سورة يونس. وتقدم نظير صدر هذه الآية في سورة الرعد.
وعطف على الاستفهام إبراز المقصد بطريقة خفية تُوقع الخصم في شرك المغلوبية وذلك بترديد حالتي الفريقين بين حالة هدى وحالة ضلال لأن حالة كل فريق لما كانت على الضد من حال الفريق الآخر بَيْن موافقة الحق وعدمها، تعين أن أمر الضلال والهدى دائر بين الحالتين لا يعدوانهما. ولذلك جيء بحرف أو ( المفيد للترديد المنتزع من الشك.
وهذا اللون من الكلام يسمى الكلام المنصِف وهو أن لا يترك المُجادل لخصمه موجب تغيظ واحتداد في الجدال، ويسمى في علم المناظرة إرخاءَ العنان للمناظِر، ومع ذلك فقرينة إلزامهم الحجة قرينة واضحة.
ومن لطائفه هنا أن اشتمل على إيماء إلى ترجيح أحد الجانبين في أحد الاحتمالين بطريق مقابلة الجانبين في ترتيب الحالتين باللف والنشر المرتّب وهو أصل اللفّ. فإنه ذكر ضمير جانب المتكلم وجماعته وجانب المخاطبين، ثم ذكر حال الهدى وحال الضلال على ترتيب ذكر الجانبين، فأومأ إلى أن الأولِين موجَّهون إلى الهدى والآخِرين موجهُون إلى الضلال المبين، لا سيما بعد قرينة الاستفهام، وهذا أيضاً من التعريض وهو أوقع من التصريح لا سيما في استنزال طائر الخصم.
وفيه أيضاً تجاهل العارف فقد التأمَ في هذه الجملة ثلاثة محسنات من البديع ونكتة من البيان فاشتملت على أربع خصوصيات.


الصفحة التالية
Icon