" صفحة رقم ٢٠٦ "
وقد جاء في هذه الآية ربط التعليق بضمير ( الذين استكبروا ) فاقتضى أن المستضعفين ادَّعَوا أن وجود المستكبرين مانع لهم أن يكونوا مؤمنين. فاقتضى أن جميع أحوال المستكبرين كانت تدندن حول منعهم من الإِيمان فكَأنَّ وجودهم لا أثر له إلا في ذلك مِن انقطاعهم للسعي في ذلك المنع وهو ما دلّ عليه قولهم فيما بعد ) بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ( ( سبأ : ٣٣ ) من فرط إلحاحهم عليهم بذلك وتكريره في معظم الأوقات، فكأنه استغرق وجودهم، لأن الوجود كونٌ في أزمنة فكَانَ قولهم هنا ) لولا أنتم ( مبالغةً في شدة حرصهم على كفرهم. وهذا وجه وجيه في الاعتبار البلاغي فمقتضى الحال من هذه الآية هو حذف المشبه.
واعلم أن المراد بقولهم :( مؤمنين ( بالمعنى اللقبيّ الذي اشتهر به المسلمون فكذلك لا يقدر لِ ) مؤمنين ( متعلِّق.
جُرِّد فعل ) قال ( عن العاطف لأنه جاء على طريقة المجاوبة والشأنْ فيه حكاية القول بدون عطف كما بيّناه غير مرة.
وهمزة الاستفهام مستعملة في الإِنكار على قول المستضعفين تبرّؤا منه. وهذا الإِنكار بهتان وإنكار للواقع بعثه فيهم خوف إلقاء التبعة عليهم وفرط الغضب والحسرة من انتقاض أتباعهم عليهم وزوال حرمتهم بيْنهم فلم يتمالكوا أن لا يكذبوهم ويذيلوا بتوريطهم.
وأتى بالمسند إليه قبل المسند الفعلي في سياق الاستفهام الإِنكاري الذي هو في قوة النفي ليفيد تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي على طريقة : ما أنا قلت هذا.
والمعنى : ما صددناكم ولكن صدكم شيء آخر وهو المعطوف ب ) بل ( التي للإِبطال بقوله :( بل كنتم مجرمين ( أي ثبت لكم الإِجرام من قبل وإجرامكم هو الذي صدّكم إذ لم تكونوا على مقاربة الإِيمان فنصدكم عنه ولكنكم صددتم وأعرضتم بإجرامكم ولم تقبلوا دعوة الإِيمان.