" صفحة رقم ٢٠٧ "
وحاصل المعنى : أن حالنا وحالكم سواء، كل فريق يتحمل تبعة أعماله فإن كلا الفريقين كان مُعْرِضاً عن الإِيمان. وهذا الاستدلال مكابرة منهم وبهتان وسفسطة فإنهم كانوا يصدون الدهماء عن الدين ويختلقون لهم المعاذير. وإنما نفوا هنا أن يكونوا محوِّلين لهم عن الإِيمان بعد تقلده وليس ذلك هو المدَّعَى. فموقع السفسطة هو قولهم :( بعد إذ جاءكم ( لأن المجيء فيه مستعمل في معنى الاقتراب منه والمخالطة له.
و ) إذ ( في قوله :( إذ جاءكم ( مجردة عن معنى الظرفية ومحضة لكونها اسم زمان غير ظرف وهو أصل وضعها كما تقدم في قوله تعالى :( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة في سورة البقرة، ولهذا صحت إضافة بعد ( إليها لأن الإِضافة قرينة على تجريد ) إذ ( من معنى الظرفية إلى مطلق الزمان مثل قولهم : حينئذٍ ويومئذٍ. والتقدير : بعد زمن مجيئه إياكم. و ) بل ( إضراب إبطال عن الأمر الذي دخل عليه الاستفهام الإِنكاري، أي ما صددناكم بل كنتم مجرمين.
والإِجرام : الشرك وهو مؤذن بتعمدهم إياه وتصميمهم عليه على بصيرة من أنفسهم دون تسويل مسوّل.
لم تَجر حكاية هذا القول على طريقة حكاية المقاولات التي تحكى بدون عطف على حسن الاستعمال في حكاية المقاولات كما استقريناه من استعمال الكتاب المجيد وقدمناه في قوله :( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ( ( البقرة : ٣٠ ) الآية، فجِيء بحرف العطف في حكاية هذه المقالة مع أن المستضعفين جاوبوا بها قول الذين استكبروا ) أنحن صددناكم ( ( سبأ : ٣٢ ) الآية لنكتة دقيقة، وهي التنبيه على أن مقالة المستضعفين هذه هي في المعنى تكملة لمقالتهم المحكية بقوله :( يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ( ( سبأ : ٣١ ) تنبيهاً على أن مقالتهم تلقَّفها الذين استكبروا فابتدروها بالجواب للوجه الذي ذكرناه هنالك بحيث لو انتظروا تمام كلامهم وأبلعوهم ريقَهم لحصل ما فيه إبطال كلامهم ولكنهم قاطعوا