" صفحة رقم ٢٠٨ "
كلامهم من فرط الجَزع أن يؤاخذوا بما يقوله المستضعفون.
وحكي قولهم هذا بفعل الماضي لمزاوجة كلام الذين استكبروا لأن قول الذين استضعفوا هذا بعد أن كان تكملة لقولهم الذي قاطعه المستكبرون، انقلبَ جواباً عن تبرُّؤ المستكبِرين من أن يكونوا صدُّوا المستضعَفين عن الهدى، فصار لقول المستضعفين موقعان يقتضي أحد الموقعين عطفه بالواو، ويقتضي الموقع الآخر قرنه بحرف ) بل ( وبزيادة ) مكر الليل والنهار ). وأصل الكلام : يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين إذ تأمروننا بالليل والنهار أن نكفر بالله الخ. فلما قاطعه المستكبرون بكلامهم أقحم في كلام المستضعفين حرف ) بل ( إبطالاً لقول المستكبرين ) بل كنتم مجرمين ( ( سبأ : ٣٢ ). وبذلك أفاد تكملةَ الكلام السابق والجواب عن تبرؤ المستكبرين، ولو لم يعطف بالواو لما أفاد إلا أنه جواب عن كلام المستكبِرين فقط، وهذا من أبدع الإِيجاز.
و ) بل ( للإِضراب الإِبطالي أيضاً إبطالاً لمقتضَى القصر في قولهم :( أنحن صددناكم عن الهدى ( ( سبأ : ٣٢ ) فإنه واقع في حيّز نفي لأن الاستفهام الإِنكاري له معنى النفي.
و ) مكر الليل والنهار ( من الإِضافة على معنى ( في ). وهنالك مضاف إليه ومجرور محذوفان دل عليهما السياق، أي مكركم بنا.
وارتفع ) مكر ( على الابتداء. والخبر محذوف دل عليه مقابلة هذا الكلام بكلام المستكبرين إذ هو جواب عنه. فالتقدير : بل مكركم صَدَّنا، فيفيد القصر، أي ما صدَّنا إلاّ مكركم، وهو نقض تام لقولهم :( أنحن صددناكم عن الهدى ( ( سبأ : ٣٢ ) وقولِهم :( بل كنتم مجرمين ( ( سبأ : ٣٢ ).
والمكر : الاحتيال بإظهار الماكر فعل ما ليس بفاعله ليَغُرّ المحتال عليه، وتقدم في قوله تعالى :( ومكروا ومكر الله في آل عمران.
وإطلاق المكر على تسويلهم لهم البقاء على الشرك، باعتبار أنهم يموهون عليهم ويوهمونهم أشياء كقولهم : إنه دين آبائكم وكيف تأمنون غضب الآلهة عليكم إذا


الصفحة التالية
Icon