" صفحة رقم ٢٣٣ "
النظر، ومنه قولهم : لبَّيك وسَعديك، وقولهم : دواليكَ.
ويجوز أن يكون المعنى أن تقوموا لحق الله مستعيناً أحدكم بصاحب له أو منفرداً بنفسه فإن من أهل النظر من ينشط إليه بالمدارسة ما لا ينشطه بالخَلوة. ومنهم من حاله بعكس هذا، فلهذا اقتصر على ) مثنى وفرادى ( لأن ما زاد على ذلك لا اضطرار إليه. وقدم ) مثنى ( لأن الاستعانة أعون على الفهم فيكون المراد دفع عوائق الوصول إلى الحق بالنظر الصحيح الذي لا يُغالِط فيه صاحبُ هوىً ولا شبهةٍ ولا يخشى فيه الناظر تشنيعاً ولا سمعة، فإن الجماهير إذا اجتمعت لم يخل مجتمعهم من ذي هوى وذي شبهة وذي مكر وذي انتفاع، وهؤلاء بما يلازم نواياهم من الخبث تصحبهم جُرأة لا تترك فيهم وازعاً عن الباطل ولا صدًّا عن الاختلاق والتحريف للأقوال بعمد أو خطأٍ، ولا حياء يهذبُ من حِدّتهم في الخصام والأذى، ثم يطيرون بالقالة وأعمال أهل السفالة.
فللسلامة من هذه العوائق والتخلص من تلك البوائق الصادة عن طريق الحق قيل هنا ) مثنى وفرادى ( فإن المرء إذا خلا بنفسه عند التأمل لم يرْضَ لها بغير النصح، وإذا خلا ثاني اثنين فهو إنما يختار ثانيه أعلق أصحابه به وأقربهم منه رَأياً فسلم كلاهما من غش صاحبه.
وحرف ) ثمّ ( للتراخي في الرتبة لأن التفكر في أحوال النبي ( ﷺ ) أهم في إصلاح حال المخاطبين المعرضين عن دعوته، بخلاف القيام لله فإنهم لا يأبَوْنه.
والتفكر : تكلف الفكر وهو العلم، وتقدم عند قوله تعالى :( أفلا تتفكرون في الأنعام.
وقوله : ما بصاحبكم من جنة ( نفي يُعلّق فعلَ ) تتفكروا ( عن العمل لأجل حرف النفي.
والمعنى : ثم تعلَموا نفي الجنون عن صاحبكم، أي تعلموا مضمون هذا. فجملة ) ما بصاحبكم من جنة ( معمولة ل ) تتفكروا ). ومن وقف على ) تتفكروا ( لم يتقن التفكر.
والمراد بالصاحب : المخالط مطلقاً بالموافقة وبالمخاصمة، وهو كناية عن التبصر


الصفحة التالية
Icon