" صفحة رقم ٢٤٩ "
والفاطر : فاعل الفَطْر، وهو الخلق، وفيه معنى التكون سريعاً لأنه مشتق من الفطر وهو الشق، ومنه ) تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن ( ( الشورى : ٥ ) ) إذا السماء انفطرت ( ( الانفطار : ١ ). وعن ابن عباس ( كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض ( أي لعدم جريان هذا اللفظ بينهم في زمانه ) حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما : أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتُها. وأحسب أن وصف الله ب ) فاطر السماوات والأرض ( مما سبق به القرآن، وقد تقدم عند قوله تعالى ) فاطر السماوات والأرض في سورة الأنعام، وقوله : وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض في آخر سورة يوسف فضُمَّه إلى ما هنا.
وأما جاعل ( فيطلق بمعنى مكوِّن، وبمعنى مُصَيِّر، وعلى الاعتبارين يختلف موقع قوله :( رسلاً ( بين أن يكون مفعولاً ثانياً ل ) جاعل ( أي جعل الله من الملائكة، أي ليكونوا رسلاً منه تعالى لما يريد أن يفعلوه بقوتهم الذاتية، وبين أن يكون حالاً من ) الملائكة (، أي يجعل من أحوالهم أن يُرسَلوا. ولصلاحية المعنيين أُوثرت مادة الجعل دون أن يعطف على معمول ) فاطر ).
وتخصيص ذكر الملائكة من بين مخلوقات السماوات والأرض لشرفهم بأنهم سكان السماوات وعظيم خلقهم.
وأجري عليهم صفة أنهم رُسل لمناسبة المقصود من إثبات الرسالة، أي جاعلهم رسلاً منه إلى المرسلين من البشر للوحي بما يراد تبليغهم إياه للناس.
وقوله ) أولي أجنحة ( يجوز أن يكون حالاً من ) الملائكة (، فتكون الأجنحة ذاتيةً لهم من مقومات خلقتهم، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في ) رسلاً ( فيكون خاصة بحالة مَرسوليتهم.
و ) أجنحة ( جمع جَناح بفتح الجيم وهو ما يكون للطائر في موضع اليد للإِنسان فيحتمل أن إثبات الأجنحة للملائكة في هذه الآية وفي بعض الأحاديث المروية عن النبي ( ﷺ ) حقيقة، ويحتمل أنه استعارة للقوة التي يخترقون بها الآفاق السماوية صعوداً ونزولاً لا يعلم كنهها إلا الله تعالى.
و ) مثنى ( وأخواتُه كلمات دالّة على معنى التكرير لاسم العدد التي تشتق