" صفحة رقم ٢٦٠ "
لما كان في قوله :( ولا يغرنكم بالله الغرور ( ( فاطر : ٥ ) إبهام مّا في المراد بالغَرور عُقب ذلك ببيانه بأن الغَرور هو الشيطان ليتقررَ المسند إليه بالبيان بعد الإِبهام. فجملة ) إن الشيطان لكم عدو ( تتنزل من جملة ) ولا يغرنكم بالله الغرور منزلة البيان من المبيَّن فلذلك فصلت ولم تعطف، وهذا من دلالة ترتيب الكلام على إرادة المتكلم إذ يعلم السامع من وقوع وصف الشيطان عقب وصف الغَرور أن الغرور هو الشيطان.
وأُظهر اسم الشيطان في مقام الإِضمار للإِفصاح عن المراد بالغَرور أنه الشيطان وإثارةُ العداوة بين الناس والشيطان معنى من معاني القرآن تصريحاً وتضمّناً، وهو هنا صريح كما في قوله تعالى : وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ( ( البقرة : ٣٦ ).
وتلك عداوة مودَعة في جبلَّتِه كعداوة الكلب للهرّ لأن جبلة الشيطان موكولة بإيقاع الناس في الفساد وأسوأ العواقب في قوالب محسَّنة مزينة، وشواهد ذلك تظهر للإِنسان في نفسه وفي الحوادث حيثما عثر عليها وقد قال تعالى :( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ( ( الأعراف : ٢٧ ).
وتأكيد الخبر بحرف التأكيد لقصد تحقيقه لأنهم بغفلتهم عن عداوة الشيطان كحال من ينكر أن الشيطان عدوّ.
وتقديم ) لكم ( على متعلَّقة للاهتمام بهذا المتعلّق فرع عنه أن أمروا باتخاذه عدوّاً لأنهم إذا علموا أنه عدوّ لهم حقّ عليهم اتخاذه عدوّاً وإلا لكانوا في حماقة. وفيه تنبيه على وجوب عداوتهم الدعاة في الضلالة المستمدين من الشيطان.
والكلام على لفظ عدوّ تقدم عند قوله تعالى :( فإن كان من قوم عدو لكم في سورة النساء.
واللام في لكم ( لام الاختصاص وهي التي تتضمنها الإِضافة فلما قدم ما حقه أن يكون مضافاً إليه صرح باللام ليحصل معنى الإِضافة.


الصفحة التالية
Icon