" صفحة رقم ٢٦٨ "
وإذ قد كان القصد من الاستدلال هو وقوع الإِحياء وتقرر وقوعه جيء بفعل الماضي في قوله :( أرسل ). وأما تغييره إلى المضارع في قوله :( فتثير سحاباً ( فلحكاية الحال العجيبة التي تقع فيها إثارة الرياح السحابَ وهي طريقة للبلغاء في الفعل الذي فيه خصوصية بحال تستغرب وتهم السامع. وهو نظير قول تأبط شرًّا :
بأني قد لَقيت الغول تهوي
بسَهب كالصحيفة صَحْصَحان
فأَضرِبُها بلا دهش فخرت
صريعاً لليدين وللجِرَان
فابتدأ ب ( لقيت ) لإِفادة وقوع ذلك ثم ثنى ب ( أضربها ) لاستحضار تلك الصورة العجيبة من إقدامه وثباته حتى كأنهم يبصرونه في تلك الحالة. ولم يؤت بفعل الإِرسال في هذه الآية بصيغة المضارع بخلاف قوله في سورة الروم ) الله الذي يرسل الرياح الآية لأن القصد هنا استدلال بما هو واقع إظهاراً لإِمكان نظيره وأما آية سورة الروم فالمقصود منها الاستدلال على تجديد صنع الله ونعمه.
والقول في الرياح والسحاب تقدم غير مرة أولاها في سورة البقرة.
وفي قوله : فسقناه ( بعد قوله :( الله الذي أرسل الرياح ( التفاوت من الغيبة إلى التكلم.
وقوله :( كذلك النشور ( سبيله سبيل قوله :( يا أيها الناس إن وعد الله حق ( ( فاطر : ٥ ) الآيات من إثبات البعث مع تصديق الرسول ( ﷺ ) فيما أخبر به عنه، إلا أن ما قبله كان مأخوذاً من فحوى الدلالة لما ظهرت في برهان صدق الرسول ( ﷺ ) فيما أخبر به من توحيد أخذ من طريق دلالة التقريب لوقوع البعث إذ عسر على عقولهم تصديق إمكان الإِعادة بعد الفناء ليحصل من بارقة صدق الرسول ( ﷺ ) وبارقة الإِمكان ما يسوق أذهانهم إلى استقامة التصديق بوقوع البعث.
والإِشارة في قوله :( كذلك النشور ( إلى المذكور من قوله :( فأحيينا به الأرض ). والأظهر أن تكون الإِشارة إلى مجموع الحالة المصورة، أي مثل ذلك الصنع المحكم المتقن نصنع صنعاً يكون به النشور بأن يهيّىء الله حوادث سماوية أو


الصفحة التالية
Icon