تحوّلاً عن مكانهم وسعيهم إلى مرادهم لما استطاعوه كقوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَطَـاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ﴾ (يس: ٦٧)، وقول أبي الشيص:
وقف الهوى بي حيث أنتتِ فليس لي
متأخَّر عنه ولا مُتَقَدَّم
وقد صرح بذلك في قول...:
ومن الحوادث لا أبالك أنني
ضربتُ على الأرض بالأسداد
لا أهتدي فيها لموضع تَلْعة
بين العُذيب وبين أرض مُراد
وتقدم السدّ في سورة الكهف.
وفي "مفاتيح الغيب": مانع الإِيمان: إما أن يكون في النفس، وإما أن يكون خارجاً عنها. ولهم المانعان جميعاً: أما في النفس فالغُلّ، وأما من الخارج فالسد فلا يقع نظرهم على أنفسهم فيروا الآيات التي في أنفسهم لأن المُقْمَح لا يرى نفسه ولا يقع نظرهم على الآفاق لأن مَن بين السدّين لا يبصرون الآفاق فلا تتبين لهم الآيات كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ﴾ (فصلت: ٥٣).
وإعادة فعل ﴿وَجَعَلْنَا﴾ على الوجه الأول في معنى قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَـاقِهِمْ أَغْلَـالا﴾ (يس: ٨) الآية، تأكيد لهذا الجعل، وأما على الوجه الثاني في معنى ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَـاقِهِمْ أَغْلَـالا﴾ فإعادة فعل ﴿وَجَعَلْنَا﴾ لأنه جَعْل حاصل في الدُّنيا فهو مغاير للجعل الحاصل يوم القيامة.
وقرأ الجمهور ﴿سَدًّا﴾ بالضم وهو اسم الجدار الذي يَسُدّ بين داخل وخارج.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف بالفتح وهو مصدر سمي به ما يُسد به.
تفريع على كلا الفعلين ﴿جَعَلْنَا فِى أَعْنَـاقِهِمْ أَغْلَـالا﴾ (يس: ٨) و﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ لأن في كلا الفعلين مانعاً من أحوال النظر.
وفي الكلام اكتفاء عن ذكر ما يتفرع ثانياً على تمثيلهم بمن جعلوا بين سُدين من عدم استطاعة التحول عمّا هم عليه.
٣٥١


الصفحة التالية
Icon