والأجر: الثواب على الإِيمان والطاعات، ووصفه بالكريم لأنه الأفضل في نوعه كما تقدم عند قوله تعالى: ﴿إِنِّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَـابٌ كَرِيمٌ﴾ في سورة النمل.
والتعبير بوصف ﴿الرَّحْمَنَ﴾ دون اسم الجلالة لوجهين: أحدهما: أن المشركين كانوا ينكرون اسم الرحمان، كما قال تعالى: ﴿قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ (الفرقان: ٦٠). والثاني: الإِشارة إلى أن رحمته لا تقتضي عدم خشيته فالمؤمن يخشى الله مع علمه برحمته فهو يرجو الرحمة.
فالقصر المستفاد من قوله: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ وهو قصر الإِنذار على التعلّق بـ﴿مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ وخشِي الله هو بالتأويل الذي تُؤُوّل به معنى فعل ﴿تُنذِرُ﴾، أي حصول فائدة الإِنذار يكون قصراً حقيقياً، وإن أبيت إلا إبقاء فعل ﴿تُنذِرُ﴾ على ظاهر استعمال الأفعال وهو الدلالة على وقوع مصادرها فالقصر ادعائي بتنزيل إنذار الذين لم يتبعوا الذكر ولم يخشوا منزلة عدم الإِنذار في انتفاء فائدته.
لما اقتضى القصر في قوله: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِىَ الرَّحْمَـانَ بِالْغَيْبِ ﴾ (يس: ١١) نفى أن يتعلق الإِنذار بالذين لم يتبعوا الذكر ولم يخشوا الرحمان، وكان في ذلك كناية تعريضية بأن الذين لم ينتفعوا بالإِنذار بمنزلة الأموات لعدم انتفاعهم بما ينفع كل عاقل، كما قال تعالى: ﴿لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا﴾ (يس: ٧٠) وكما قال: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ (النمل: ٨٠) استطرد عقب ذلك بالتخلّص إلى إثبات البعث فإن التوفيق الذي حفّ بمن اتبع الذكر وخشي الرحمان هو كإحياء الميت لأن حالة الشرك حالة ضلال يشبه الموت، والإِخراج منه كإحياء الميت؛ فهذه الآية اشتملت بصريحها على علم بتحقيق البعث واشتملت بتعريضها على رمز واستعارتيْن ضمنيتين: استعارة الموتى للمشركين، واستعارة الإحياء للإِنقاذ من الشرك، والقرينة هي الانتقال من كلام إلى كلام لما يومىء إليه الانتقال من سبق الحضور في المخيلة فيشمل المتكلم مما كان يتكلم في شأنه إلى الكلام فيما خطر له. وهذه الدلالة من مستتبعات
٣٥٤


الصفحة التالية
Icon