المقام وليست من لوازم معنى التركيب. وهذا من أدق التخلص بحرف (إنَّ) لأن المناسبة بين المنتقل منه والمنتقل إليه تحتاج إلى فطْنة، وهذا مقام خطاب الذكِيّ المذكور في مقدمة علم المعاني.
فيكون موقع جملة "إنا نحيي الموتى" استئنافاً ابتدائياً لِقصد إنذار الذين لم يتبعوا الذكر، ولم يخشوا الرحمان، وهم الذين اقتضاهم جانب النفي في صيغة القصر.
ويجوز أن يكون الإِحياء مستعاراً للإنقاذ من الشرك، والموتى: استعارة لأهل الشكر، فإحياء الموتى توفيق من آمن من الناس إلى الإِيمان كما قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ وَجَعَلْنَا لَهُا نُورًا يَمْشِي بِهِا فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُا فِي الظُّلُمَـاتِ﴾ (الأنعام: ١٢٢) الآية.
فتكون الجملة امتناناً على المؤمنين بتيسير الإِيمان لهم، قال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُا يَشْرَحْ صَدْرَهُا لِلاسْلَـامِ ﴾ (الأنعام: ١٢٥)، وموقع الجملة موقع التعليل لقوله: ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ (يس: ١١).
والمراد بكتابة ما قدموا الكناية عن الوعد بالثواب على أعمالهم الصالحة والثواب على آثارهم.
وهذا الاعتبار يناسبه الاستئناف الابتدائي ليكون الانتقال بابتداء كلاممٍ منبهاً السامعَ إلى ما اعتبره المتكلم في مطاوي كلامه.
والتأكيد بحرف (إنّ) منظور فيه إلى معنى الصريح كما هو الشأن، و﴿نَحْنُ﴾ ضمير فصل للتقوية وهو زيادة تأكيد. والمعنى: نحييهم للجزاء، فلذلك عطف ﴿وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا ﴾، أي نُحْصي لهم أعمالهم من خير وشر قدموها في الدنيا لنجازيهم.
وعطفُ ذلك إدماج للإِنذار والتهديدِ بأنهم محاسبون على أعمالهم ومجازَون عليها.
والكناية: كناية عن الإِحصاء وعدم إفلات شيء من أعمالهم أو إغفاله. وهي ما يعبر عنه بصحائف الأعمال التي يسجلها الكِرام الكاتبون.
٣٥٥


الصفحة التالية
Icon