استئناف بياني لما ينتظره سامع القصة من معرفة ما لقيه من قومه بعد أن واجههم بذلك الخطاب الجَزل. وهل اهتدوا بهديه أو أعرضوا عنه وتركوه أو آذوه كما يُؤذَى أمثاله من الداعين إلى الحق المخالفين هوَى الدهمَاء فيجاب بما دل عليه قوله: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ وهو الأهم عند المسلمين وهم من المقصودين بمعرفة مثل هذا ليزدادوا يقيناً وثباتاً في إيمانهم، وأما المشركون فحظهم من المَثل ما تقدم وما يأتي من قوله: ﴿إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَـامِدُونَ﴾ (يس: ٢٩).
وفي قوله: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ كناية عن قتله شهيداً في إعلاء كلمة الله لأن تعقيب موعظته بأمره بدخول الجنة دفعة بلا انتقال يفيد بدلالة الاقتضاء أنه مات وأنهم قتلوه لمخالفته دينهم، قال بعض المفسرين: قتلوه رجماً بالحجارة، وقال بعضهم: أحرقوه، وقال بعضهم: حفروا له حفرة وردموه فيها حيّاً.
وإن هذا الرجل المؤمن قد أُدخل الجنة عقب موته لأنه كان من الشهداء والشهداء لهم مزية التعجيل بدخول الجنة دخولاً غير موسع. ففي الحديث: "إن أرواحَ الشهداء في حواصل طيور خُضرٍ تأكل من ثمار الجنة".
والقائل: ﴿ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ هو الله تعالى.
والمقولُ له هو الرجل الذي جاء من أقصى المدينة وإنما لم يذكر ضمير المقول له مجروراً باللام لأن القول المذكور هنا قول تكويني لا يقصد منه المخاطب به بل يقصد حكاية حصوله لأنه إذا حصل حصل أثره كقوله تعالى: ﴿أَن نَّقُولَ لَهُا كُن فَيَكُونُ﴾ (النحل: ٤٠).
وإذ لم يقَصَّ في المثَل أنه غادر مَقامه الذي قام فيه بالموعظة كان ذلك إشارة إلى أنه مات في مقامه ذلك، ويفهم منه أنه مات قتيلاً في ذلك الوقت أو بإثره.
وإنما سلك في هذا المعنى طريق الكناية ولم يصرح بأنهم قتلوه إغماضاً لهذا المعنى عن المشركين كيلا يسرّهم أن قومه قتلوه فيجعلوه من جملة ما ضرب به
٣٧٠


الصفحة التالية
Icon