" صفحة رقم ١٠٥ "
فكأنهم قالوا إنكم كنتم تُغْروننا بقوة منكم، ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا : تأتوننا من الجهة التي يحسنها تمويهكم وإغواؤكم وتُظهرون فيها أنها جهة الرشد ( وهو عن الزجاج والجبّائي ) ومما تحتمله الآية أن يريدوا : إنكم كنتم تأتوننا، أي تقطعون بنا عن أخبار الخير واليُمْن، فعبروا عنها باليمين، ومن المعاني أن يريدوا : أنكم تجيئون من جهة الشهوات وعدم النظر لأن جهة يمين الإِنسان فيها كبده وجهة شماله فيها قلبه وأن نظر الإِنسان في قلبه وقيل : تحلفون لنا ا. هـ.
وجواب الزعماء بقولهم :( بَل لَمْ تَكُونوا مؤمِنينَ ( إضراب إبطال لزعم الأتباع أنهم الذين صدّوهم عن طريق الخير أي بل هم لم يكونوا ممن يقبل الإِيمان لأن تسليط النفي على فعل الكون دون أن يقال : بل لم تؤمنوا، مشعر بأن الإِيمان لم يكن من شأنهم، أي بل كنتم أنتم الآبين قبول الإِيمان. و ) ما كان لنا عليكم من سلطان ( أي من قهر وغلبة حتى نُكرهكم على رفض الإِيمان، ولذلك أكدوا هذا المعنى بقولهم :( بل كنتم قوماً طاغِينَ (، أي كان الطغيان وهو التكبر عن قبول دعوة رجل منكم شأنَكم وسجيتكم، فلذلك أقحموا لفظ ) قوماً ( بين ( كان ) وخبرها لأن استحضارهم بعنوان القومية في الطغيان يؤذن بأن الطغيان من مقومات قوميتهم كما قدمنا عند قوله تعالى :( لآيات لقوم يعقلون في سورة البقرة ).
وفرّعوا على كلامهم اعترافهم بأنهم جميعاً استحقُّوا العذاب فقولهم :( فحَقَّ علينا قولُ ربنا إنَّا لذائِقُونَ (، تفريعَ الاعتراض، أي كان أمر ربنا بإذاقتنا عذاب جهنم حقّاً. وفعل ( حقّ ) بمعنى ثبت.
وجملة ) إنَّا لذائقون ( بيان ل ) قَوْلُ رَبِّنا. ( وحكي القول بالمعنى على طريقة الالتفات ولولا الالتفات لقال : إنكم لذائقون أو إنهم لَذَائِقُونَ. ونكتة الالتفات زيادة التنصيص على المعنيّ بذوق العذاب.
وحذف مفعول ( ذائقون ) لدلالة المقام عليه وهو الأمر بقوله تعالى :( فاهدوهم إلى صراطِ الجحيم ( ( الصافات : ٢٣ ).


الصفحة التالية
Icon