" صفحة رقم ١٧٨ "
فيصلح جسده لطفاً من ربه به بعد أن أجرى له حادثاً لتأديبه، شأن الرب مع عبيده أن يُعْقِب الشدة باليسر.
وهذا حدث لم يعهد مثيله من الرسل ولأجله قال النبي ( ﷺ ) ( ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونُس بن متّى )، يريد رسول الله ( ﷺ ) نفسَه إذ لا يحتمل أن يكون أراد أحداً آخر إذ لا يخطر بالبال أن يقوله أحد غير الأنبياء. والمعنى نفي الأخيريّة في وصف النبوءة، أي لا يظنَنّ أحد أن فعلة يونس تسلب عنه النبوءة.
فذلك مثل قوله ( ﷺ ) ( لا تفضّلوا بين الأنبياء )، أي في أصل النبوءة لا في درجاتها فقد قال الله تعالى :( تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ورفع بعضهم درجات ( ( البقرة : ٢٥٣ ) وقال :( ولقد فضلنا بعض النبيئين على بعض ( ( الإسراء : ٥٥ ).
واعلم أن الغرض من ذكر يونس هنا تسلية النبي ( ﷺ ) فيما يلقاه من ثقل الرسالة بأن ذلك قد أثقل الرسل من قبله فظهرت مرتبة النبي ( ﷺ ) في صبره على ذلك وعدم تذمّره ولإِعلام جميع الناس بأنه مأمور من الله تعالى بمداومة الدعوة للدين لأن المشركين كانوا يلومونه على إلحاحِه عليهم ودعوته إياهم في مختلف الأزمان والأحوال ويقولون : لا تَغْشنَا في مجالسنا فمن جاءك فمنّا فاسمعه، كما قال عبد الله بن أُبيّ قال تعالى :( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته ( ( المائدة : ٦٧ ) فلذكر قصة يونس أثر من موعظة التحذير من الوقوع فيما وقع فيه يونس من غضب ربه ألاَ ترى إلى قوله تعالى :( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ( ( القلم : ٤٨، ٤٩ ).
وليعلم الناس أن الله إذا اصطفى أحداً للرسالة لا يرخص له في الفتور عنها ولا ينسخ أمره بذلك لأن الله أعلم حيث يجعل رسالاته.