" صفحة رقم ٣١٤ "
( ١ ٢ )
فاتحة أنيقة في التنويه بالقرآن جعلت مقدمة لهذه السورة لأن القرآن جامع لما حوته وغيره من أصول الدين.
ف ) تَنزِيلُ ( مصدر مراد به معناه المصدريّ لا معنى المفعول، كيف وقد أضيف إلى الكتاب وأصل الإِضافة أن لا تكون بيانية.
وتنزيل : مصدر نزّل المضاعف وهو مشعر بأنه أنزله منجّماً. واختيار هذه الصيغة هنا للرد على الطاعنين لأنهم من جملة ما تعلّلوا به قولهم :( لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( ( الفرقان : ٣٢ ). وقد تقدم الفرق بين المضاعف والمهموز في مثله في المقدمة الأولى.
والتعريف في ) الكِتابِ ( للعهد، وهو القرآن المعهود بينهم عند كل تذكير وكل مجادلة. وأجرى على اسم الجلالة الوصف ب ) العزيز الحكيمِ ( للإِيماء إلى أن ما ينزل منه يأتي على ما يناسب الصفتين، فيكون عزيزاً قال تعالى :( وإنه لكتاب عزيز ( ( فصلت : ٤١ )، أي القرآن، عزيز غالب بالحجة لمن كذّب به، وغالب بالفضل لما سواه من الكتب من حيث إن الغلبة تستلزم التفضل والتفوق، وغالب لبلغاء العرب إذ أعجزهم عن معارضة سورة منه، ويكون حكيماً مثل صفة منزِّله.
والحكيم : إمّا بمعنى الحاكم، فالقرآن أيضاً حاكم عن معارضيه بالحجة، وحاكم على غيره من الكتب السماوية بما فيه من التفصيل والبيان قال تعالى :( مصدقاً لمن بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ( ( المائدة : ٤٨ ).
وإمّا بمعنى : المحكِم المتقِن، فالقرآن مشتمل على البيان الذي لا يحتمل الخطأ، وإما بمعنى الموصوف بالحكمة، فالقرآن مشتمل على الحكمة كاتصاف منزّله بها. وهذه معان مرادة من الآية فيما نرى، على أن في هذين الوصفين إيماء إلى أن القرآن معجز ببلاغة لفظه وبإعجازه العلمي، إذا اشتمل على علوم لم يكن للناس علم بها كما بيّناه في المقدمة العاشرة.
وفي وصف ) الحَكِيمِ ( إيماء إلى أنه أنزله بالحكمة وهي الشريعة ) يؤتي الحكمة من يشاء ( ( البقرة : ٢٦٩ ).