" صفحة رقم ٣١٥ "
وفي هذا إرشاد إلى وجود التدبر في معاني هذا الكتاب ليتوصل بذلك التدبر إلى العلم بأنه حق من عند الله، قال تعالى :( سنريهم آياتِنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ( ( فصلت : ٥٣ ).
ومعنى ) العَزيزِ الحكيمِ ( في صفات الله تقدم في تفسير قوله تعالى :( فإن زللتم من بعد ما جاءئكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم في سورة البقرة ).
وافتتاح جملة ) إنَّا أنزلنا إليكَ الكتَابَ بالحقّ ( بحرف ( إنَّ ) مراعى فيه ما استعمل فيه الخبر من الامتنان. فيحمل حرف ( إنّ ) على الاهتمام بالخبر. وما أريد به من التعريض بالذين أنكروا أن يكون منزّلاً من الله فيحمل حرف ( إنّ ) على التأكيد استعمالاً للمشترك في معنييه. ولما في هذه الآية من زيادة الإِعلان بصدق النبي المنزل عليه الكتاب جدير بالتأكيد لأن دليل صدقه ليس في ذاته بل هو قائم بالإِعجاز الذي في القرآن وبغيره من المعجزات، فكان مقضى التأكيد موجوداً بخلاف مقتضى الحال في قوله :( تَنزيلُ الكتاببِ من الله ).
فجملة ) إنَّا أنزلنا إليك الكتابَ ( تتنزل منزلة البيان لجملة ) تَنزيلُ الكتاببِ من الله. ( وإعادة لفظ ) الكِتَابِ ( للتنويه بشأنه جرياً على خلاف مقتضى الظاهر بالإِظهار في مقام الإِضمار. وتعدية ) أنزَلْنَا ( بحرف الانتهاء تقدم في قوله :( والذين يؤمنون بما أنزل إليك في أول البقرة ).
والباء في ) بالحق ( للملابسة، وهي ظرف مستقرّ حالاً من ) الكتابِ (، أي أنزلنا إليك القرآن ملابساً للحق في جميع معانيه ) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( ( فصلت : ٤٢ ).
وفرع على المعنى الصريح من قوله :( إنَّا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحق ( أن أمر بأن يعبد الله مخلصاً له العبادة. وفي هذا التفريع تعريض بما يناسب المعنى التعريضي في المفرّع عليه وهو أن المعرّض بهم أن يعبدوا الله مخلصين له الدين عليهم أن يدبَّروا في المعنى المعرض به.