" صفحة رقم ٣١٩ "
قال ابن رشد في ( شرحه ) : هذا الحديث فيه نص جليّ على أن من كان أصلُ عمله لله وعلى ذلك عقد نيته لم تضرّه الخطَرات التي تقع في القلب ولا تُملك، على ما قاله مالك خلافَ ما ذهب إليه ربيعةُ، وذلك أنهما سُئلا عن الرجل يُحِب أن يُلْقَى في طريق المسجد ويكره أن يلقَى في طريق السّوق فأنكر ذلك ربيعةُ ولم يعجبه أن يحب أحد أن يُرى في شيء من أعمال الخير. وقال مالك : إذا كان أولُ ذلك وأصلُه لله فلا بأس به إن شاء الله قال الله تعالى :( وألقيت عليك محبة مني ( ( طه : ٣٩ )، وقال :( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( ( الشعراء : ٨٤ ). قال مالك : وإنما هذا شيء يكون في القلب لا يُملك وذلك من وسوسة الشيطان ليمنعه من العمل فمن وجد ذلك فلا يُكْسِلْه عن التمادي على فعل الخير ولا يؤيسه من الأجر وليدفع الشيطان عن نفسه ما استطاع ( أي إذا أراد تثبيطه عن العمل )، ويجدد النية فإن هذا غير مؤاخذ به إن شاء الله ا هـ. وذكر قبل ذلك عن مالك أنه رأى رجلاً من أهل مصر يَسأل عن ذلك ربيعة. وذكر أن ربيعة أنكر ذلك. قال مالك : فقلت له ما ترى في التهجير إلى المسجد قبل الظهر ؟ قال : ما زال الصالحون يهجّرون. وفي ( جامع المعيار ) : سئل مالك عن الرجل يذهب إلى الغزو ومعه فضل مال ليصيب به من فضل الغنيمة ( أي ليشتري من الناس ما صحّ لهم من الغنيمة ) فأجاب لا بأس به ونزع بآية التجارة في الحج قوله :( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ( ( البقرة : ١٩٨ ) وأن ذلك غير مانع ولا قادح في صحة العبادة إذا كان قصدُه بالعبادة وجهَ الله ولا يعد هذا تشريكاً في العبادة لأن الله هو الذي أباح ذلك ورفع الحرج عن فاعله مع أنه قال :( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ( ( الكهف : ١١٠ ) فدلّ أن هذا التشريك ليس بداخل بلفظه ولا بمعناه تحتَ آية الكهف ا هـ.
وأقول : إن القصد إلى العبادة ليتقرب إلى الله فيسأله ما فيه صلاحه في الدنيا أيضاً لا ضير فيه، لأن تلك العبادة جعلت وسيلة للدعاء ونحوه وكل ذلك تقرب إلى الله تعالى وقد شرعت صلوات لكشف الضرّ وقضاء الحوائج مثل صلاة الاستخارة وصلاة الضرّ والحاجة، ومن المغتفر أيضاً أن يقصد العامل من عمله