" صفحة رقم ٣٥٣ "
وفي استحضارهم بالموصول وصلته إيماء إلى أن تقَرر إيمانهم مما يقتضي التقوى والامتثال للمهاجرة. وجملة ) للذين أحسنوا في هذه الدُّنيا حسنةٌ ( وما عطف عليها استئناف بياني لأن إيراد الأمر بالتقوى للمتصفين بها يثير سؤال سائل عن المقصود من ذلك الأمر فأريد بيانه بقوله :( أرض الله واسعة، ( ولكن جُعل قوله ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنةٌ ( تمهيداً له لقصد تعجيل التكفل لهم بموافقة الحسنى في هجرتهم. ويجوز أن تكون جملة ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنةٌ ( مسوقة مساق التعليل للأمر بالتقوى الواقع بعدها.
والمراد بالذين أحسنوا : الذين اتقوا الله وهم المؤمنون الموصوفون بما تقدم من قوله :( أمن هو قانت ( ( الزمر : ٩ ) الآية، لأن تلك الخصال تدل على الإِحسان المفسر بقول النبي ( ﷺ ) ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك )، فعدل عن التعبير بضمير الخطاب بأن يقال : لكم في الدنيا حسنة، إلى الإِتيان باسم الموصول الظاهر وهو ) الذين أحسنوا ( ليشمل المخاطبين وغيرهم ممن ثبتت له هذه الصلة. وذلك في معنى : اتقوا ربكم لتكونوا محسنين فإن للذين أحسنوا حسنة عظيمة فكونوا منهم. وتقديم المسند في ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنةٌ ( للاهتمام بالمحسَن إليهم وأنهم أحرياء بالإِحسان.
والمراد بالحسنة الحالة الحسنة، واستغني بالوصف عن الموصوف على حد قوله :( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ( ( البقرة : ٢٠١ ). وقولِه في عكسه ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( ( الشورى : ٤٠ ). وتوسيط قوله :( في هذه الدنيا ( بين ) للذين أحسنوا ( وبين ) حَسَنَةٌ ( نظم مما اختص به القرآن في مواقع الكلم لإِكثار المعاني التي يسمح بها النظم، وهذا من طرق إعجاز القرآن. فيجوز أن يكون قوله :( في هذه الدُّنيا ( حالاً من ) حَسَنَةٌ ( قدم على صاحب الحال للتنبيه من أول الكلام على أنها جزاؤهم في الدنيا، لقلة خطور ذلك في بالهم ضمن الله لهم تعجيل الجزاء الحسن في الدنيا قبل ثواب الآخرة على