" صفحة رقم ٣٥٤ "
نحو ما أثنى على مَن يقول :( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. وقد جاء في نظير هذه الجملة في سورة النحل ( قوله :( ولدار الآخرة خير، أي خير من أمور الدنيا، ويكون الاقتصار على حسنة الدنيا في هذه الآية لأنها مسوقة لتثبيت المسلمين على ما يلاقونه من الأذى، ولأمرهم بالهجرة عن دار الشرك والفتنة في الدين، فأما ثواب الآخرة فأمر مقرر عندهم من قبل ومومىً إليه بقوله بعده : إنما يوفَّى الصابِرُون أجرهم بغير حسابٍ ( أي يوفون أجرهم في الآخرة. قال السدّي : الحسنة في الدنيا الصحة والعافية. ويجوز أن يكون قوله :( في الدنيا ) متعلقاً بفعل ) أحسنوا ( على أنه ظرف لغوي، أي فعلوا الحسنات في الدنيا فيكون المقصود التنبيه على المبادرة بالحسنات في الحياة الدنيا قبل الفوات والتنبيه على عدم التقصير في ذلك.
وتنوين ) حَسَنَةٌ ( للتعظيم وهو بالنسبة لحسنة الآخرة للتعظيم الذاتي، وبالنسبة لحسنة الدنيا تعظيم وصفي، أي حسنة أعظم من المتعارف، وأيّاً ما كان فاسم الإِشارة في قوله :( في هذه الدنيا ( لتمييز المشار إليه وإحضاره في الأذهان. وعليه فالمراد ب ) حَسَنَةٌ ( يحتمل حسنة الآخرة ويحتمل حسنة الدنيا، كما في قوله تعالى :( الذين يقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة في سورة البقرة ). وقد تقدم نظير هذه الآية في سورة النحل قولُه تعالى :( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير، فألْحِقْ بها ما قُرر هنا.
وعطف عليه وأرضُ الله واسعةٌ ( عطفَ المقصود على التوطئة. وهو خبر مستعمل في التعريض بالحث على الهجرة في الأرض فراراً بدينهم من الفتن بقرينة أن كون الأرض واسعةً أمر معلوم لا يتعلق الغرض بإفادته وإنما كني به عن لازم معناه، كما قال إياس بن قبيصة الطائي :
ألم تر أن الأرض رحْب فسيحة
فَهَلْ تعجزنِّي بقعة من بقاعها
والوجه أن تكون جملة ) وأرضُ الله واسِعةٌ ( معترضة والواو اعتراضية لأن تلك الجملة جرت مجرى المثل.


الصفحة التالية
Icon