" صفحة رقم ١٠٨ "
مخلصين له الدين ( ( غافر : ١٤ ) ثم أُعقب بقوله :( رفيع الدرجات ( فأشار إلى عبادة الله بإخلاص سبب لرفع الدرجات، ثم أعقب بقوله :( يُلقِي الرُّوح من أمرِه ( فجيء بفعل الإِلقاء وبكون الروح من أمره وبصلة ) مَن يَشاء مِن عِباده (، فآذن بأن ذلك بمحض اختياره وعلمه كما قال تعالى :( الله أعلم حيث يجعل رسالاته ( ( الأنعام : ١٢٤ ). وهذا يرتبط بقوله في أول السورة ) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين ( فأمَر رسولَه ( ﷺ ) بالإخلاص في العبادة مفرعاً على إنزال الكتاب إليه، وجاء في شأن الناس بقوله :( فادعوا الله مُخْلِصين ( ( غافر : ١٤ ) ثم أعقبه بقوله :( رَفِيع الدرجات ).
وقد ضَرب لهم العرشَ والأنبياء مثلين لرفع الدرجات في العوالم والعقلاء، وفيه تعريض بتسفيه المشركين ) فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه ( ( القمر : ٢٤ )، ) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( ( الزخرف : ٣١ ) و ) قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ( ( الأنعام : ١٢٤ ).
وتخلص من ذكر النبوءة إلى النذارة بيوم الجزاء ليعود وصف يوم الجزاء الذي انقطع الكلام عليه من قوله تعالى :( ذلكم بأنه إذا دُعي الله وحده كفرتم ( ( غافر : ١٢ ) الخ.
والإِنذار : إِخبار فيه تحذير مما يسوء، وهو ضد التبشير إذ هو إخبار بما فيه مسرة. وفعله المجرد : نَذِر كعلم، يقال : نَذِر بالعدوّ فحَذِره. والهمزة في أنذر للتعدية فحقه أن لا يتعدى بالهمزة إلا إلى مفعول واحد، وهو الذي كان فاعل الفعل المجرد، وأن يتعدى إلى الأمر المخبَر به بالباء، يقال : أنذرتُهم بالعَدوّ، غير أنه غلب في الاستعمال تضمينه معنى التحذير فعدوه إلى مفعول ثان وهو استعمال القرآن، وأما قوله في أول الأعراف ) لتنذر به فالباء فيه للسببية أو الآلة المجازية وليست للتعدية. وضمير به عائداً إلى الكتاب.
والضمير المستتر في لينذر ( عائد إلى اسم الجلالة من قوله :( فادعوا الله ( ( غافر : ١٤ )، والأحسن أن يعود على ) مَن ( الموصولة لينذر من ألقَى عليه الروحَ قومَه، ولأن


الصفحة التالية
Icon