" صفحة رقم ١٢٩ "
الرجل المذكور في سورة القصص في قوله تعالى :( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ( فإن تلك القصة كانت قُبَيْل خروج موسى من مصر، وهذه القصة في مبدأ دخوله مصر. ولم يوصف هنالك بأنه مؤمن ولا بأنه من آل فرعون بل كان من بني إسرائيل كما هو صريح سفر الخروج. والظاهر أن الرجل المذكور هنا كان رجلاً صالحاً نظَّاراً في أدلة التوحيد ولم يستقر الإِيمان في قلبه على وجهه إلا بعد أن سمع دعوة موسى، وإن الله يقيض لعباده الصالحين حُماة عند الشدائد.
قيل اسم هذا الرجل حبيب النجّار وقيل سمعان، وقد تقدم في سورة ( يس ) أن حبيباً النجار من رسل عيسى عليه السلام. وقصة هذا الرجل المؤمن من آل فرعون غير مذكورة في ( التوراة ) بالصريح ولكنها مذكورة إجمالاً في الفقرة السابعة من الإصحاح العاشر ( فقال عبيد فرعون إلى متَى يكون لنا هذا ( أي موسى ) فخًّا أَطْلِق الرجال ليعبدوا الرب إلاههم ).
والاستفهام في ) أتقتلون ( استفهام إنكار، أي يقبح بكم أن تقتلوا نفساً لأنه يقول ربي الله، أي ولم يجبركم على أن تؤمنوا به ولكنه قال لكم قولاً فاقبلوه أو ارفضوه، فهذا محمل قوله :( أنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله ( وهو الذي يمكن الجمع بينه وبين كون هذا الرجل يكتم إيمانه.
و ) أنَّ يَقُولَ ). مجرور بلام التعليل المقدرة لأنها تحذف مع ( أَن ) كثيراً. وذكر اسممِ الله لأنه الذي ذكره موسى ولم يكن من أسماء آلهة القبط.
وأما قوله :( وقد جاءَكُم بِالبَيِّنا تتِ من رَبِّكُم ( فهو ارتقاء في الحِجاج بعد أن استأنس في خطاب قومه بالكلام الموجَّه فارتقى إلى التصريح بتصديق موسى بعلة أنه جاء بالبينات، أي الحجج الواضحة بصدقه، وإلى التصريح بأن الذي سماه الله في قوله :( أن يقول ربي الله ( هو رب المخاطبين فقال :( من ربكم ). فجملة ) وقد جاءكم بالبينات من ربكم ( في موضع الحال من قوله :( رجلاً ( والباء في ) بالبينات ( للمصاحبة.


الصفحة التالية
Icon