" صفحة رقم ١٣٠ "
وقوله :( وإن يَكُ كاذِباً فَعلَيهِ كَذِبُهُ ( رجوع إلى ضرب من إيهام الشك في صدق موسى ليكون كلامه مشتملاً على احتمالَيْ تصديق وتكذيب يتداولهما في كلامه فلا يؤخذ عليه أنه مصدق لموسى بل يُخيل إليهم أنه في حالة نظر وتأمل ليسوق فرعون وملأَه إلى أدلة صدق موسى بوجه لا يثير نفورهم، فالجملة عطف على جملة ) وقد جاءكم بالبينات ( فتكون حالاً.
وقَدم احتمال كذبه على احتمال صدقه زيادةً في التباعد عن ظنهم به الانتصار لموسى فأراد أن يَظهَر في مظهر المهتَم بأمر قومه ابتداء.
ومعنى :( وإن يَكُ كَاذِباً فَعلَيه كَذِبُهُ ( استنزالهم للنظر، أي فعليكم بالنظر في آياته ولا تعجلوا بقتله ولا باتباعه فإن تبين لكم كذبه فيما تحداكم به وما أنذركم به من مصائب فلم يقع شيء من ذلك لم يضركم ذلك شيئاً وعاد كذبه عليه بأن يوسم بالكاذب، وإن تبين لكم صدقه يصبكم بعضُ ما تَوَعَّدكم به، أي تصبكم بوارقه فتعلموا صدقه فتتبَعوه، وهذا وجه التعبير ب ) بعض ( دون أن يقول : يصبكم الذي يعدكم به. والمراد بالوعْد هنا الوعد بالسوء وهو المسمى بالوعيد. أي فإن استمررتم على العناد يصبكم جميع ما توعَّدكم به بطريق الأوْلى.
وقد شابَه مقامُ أبي بكر الصديققِ مقامَ مؤمن آل فرعون إذ آمن بالنبي ( ﷺ ) حين سمع دعوته ولم يكن من آله، ويومَ جاء عقبة بن أبي مُعيط إلى النبي ( ﷺ ) ( والنبي ( ﷺ ) بفناء الكعبة ) يخنقه بثوبه فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكب عقبة ودفَعه وقال :( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ). قال علي بن أبي طالب :( والله لَيَومُ أبي بكر خيرٌ من مؤمن آل فرعون، إنَّ مؤمن آل فرعون رجل يكتم إيمانه وإن أبا بكر كان يُظهر إيمانه وبذل ماله ودمه )
وأقول : كان أبو بكر أقوى يقيناً من مؤمن آل فرعون لأن مؤمن آل فرعون كتم إيمانه وأبو بكر أظهر إيمانه.
وجملة ) إنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن هُو مُسْرفٌ كَذَّابٌ ( يجوز أنها من قول مؤمن آل فرعون، فالمقصود منها تعليل قوله :( وَإن يَكُ كاذِباً فعليه كَذِبُهُ وإن يَكُ صادقاً يُصِبكم بعْض الذي يَعِدُكُم ( أي لأن الله لا يقره على كذبه فإن كان كاذباً على