" صفحة رقم ١٣١ "
الله فلا يلبث أن يفتضح أمره أو يهلكه، كما قال تعالى :( ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ( ( الحاقة : ٤٤ ٤٦ ) لأن الله لا يمهل الكاذب عليه، ولأنه إذا جاءكم بخوارق العادات فقد تبين صدقه لأن الله لا يَخرق العادة بعد تحدي المتحدّي بها إلاّ ليجعلها أمارة على أنه مرسَل منه لأن تصديق الكاذب محال على الله تعالى.
ومعنى :( يصيبكم بعض الذي يعدكم ( أي مما تَوعدكم بوقوعه في الدنيا، أو في الآخرة وكيف إذا كانت البينة نفسُها مصائب تحلّ بهم مثل الطوفان والجراد وبقية التسع الآيات.
والمسرف : متجاوز المعروف في شيء، فالمراد هنا مسرف في الكذب لأن أعظم الكذب أن يكون على الله، قال تعالى :( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ( ( الأنعام : ٩٣ )
وإذا كان المراد الإِسراف في الكذب تعين أن قوله :( كذاب ( عطف بيان وليس خبراً ثانياً إذ ليس ثمة إسراف هنا غير إسراف الكذب، وفي هذا اعتراف من هذا المؤمن بالله الذي أنكره فرعون، رمَاه بين ظهرانَيْهم. ويجوز أن تكون جملة ) إنَّ الله لاَ يَهْدِي ( إلى آخرها جملة معترضة بين كلامي مؤمن آل فرعون ليست من حكاية كلامه وإنما هي قول من جانب الله في قُرآنه يقصد منها تزكية هذا الرجل المؤمن إذ هداه الله للحق، وأنه تقيّ صادق، فيكون نفي الهداية عن المسرف الكذاب كناية عن تقوى هذا الرجل وصدقه لأنه نطق عن هدىً والله لا يعطي الهدى من هو مسرف كذاب.
لما توسم نهوضَ حجتِه بينهم وأنها داخلت نفوسهم، أَمِن بأسهم، وانتهز فرصة انكسار قلوبهم، فصارحهم بمقصوده من الإِيمان بموسى على سَنَن الخطباء