" صفحة رقم ١٤١ "
وعدي فعل ) جاءكم ( إلى ضمير المخاطبين. وأسند ) فما زِلْتُمْ ( و ) قلتم ( إلى ضميرهم أيضاً، وهم ما كانوا موجودين حينئذٍ قصداً لحمل تبعة أسلافهم عليهم وتسجيلاً عليهم بأن التكذيب للناصحين واضطراب عقولهم في الانتفاع بدلائل الصدق قد ورثوه عن أسلافهم في جبلّتهم وتقرر في نفوسهم فانتقاله إليهم جيلاً بعد جيل كما تقدم في خطاب بني إسرائيل في سورة البقرة :( وإذا نجيناكم من آل فرعون ( ونحوه.
جرى أكثر المفسرين على أن هذه الجمل حكاية لبقية كلام المؤمن وبعضهم جعل بعضها من حكاية كلام المؤمن وبعضَها كلاماً من الله تعالى، وذلك من تجويز أن يكون قوله :( الَّذِينَ يِجادِلُونَ ( الخ بدلاً أو مبتدأ، وسكت بعضهم عن ذلك مقتصراً على بيان المعنى دون تصدّ لبيان اتصالَها بما قبلها.
والذي يظهر أن قوله :( كَذالك يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ( إلى قوله :( جَبَّارٍ ). كله من كلام الله تعالى معترَض بين كلام المؤمن وكلام فرعون فإن هذا من المعاني الإِسلامية قصد منه العبرة بحال المكذبين بموسى تعريضاً بمشركي قريش، أي كضلال قوم فرعون يضل الله من هو مسرف مرتاب أمثالكم، فكذلك يكون جزاؤكم، ويؤيد هذا الوجه قوله في آخرها :( وَعِندَ الَّذِينَ ءامَنُوا ( فإن مؤمن آل فرعون لم يكن معه مؤمن بموسى وهارون غيره، وهذا من باب تذكر الشيء بضده، ومما يزيد يقيناً بهذا أن وصف ) الذين يجادلون في آيات الله ( تكرر أربع مرات من أول هذه السورة، ثم كان هنا وسطاً في قوله :( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ( ( غافر : ٥٦ )، ثم كان خاتمة في قوله :( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ( ( غافر : ٦٩ ).


الصفحة التالية
Icon