" صفحة رقم ١٤٤ "
أما عطف ) وَعِندَ الذِينَ ءامَنُوا ( فلم أر في التفاسير الكثيرة التي بين يدي من عَرج على فائدة عطف ) وعند الذين آمنوا ( ما عدا المَهائمي في ( تبصرة الرحمن ) إذ قال :( كَبُرَ مقْتَاً عِندَ الله ( وهو موجب للإِضلال، ويدل على أنه كبر مقتاً أنه عند الذين آمنوا، وهم المظاهر التي يظهر فيها ظهورُ الحق ا هـ. وكلمة المهائمي كلمة حسنة يعني أن كونه مقتاً عند الله لا يحصل في علم الناس إلا بالخبَر فزيد الخبر تأييداً بالمشاهدة فإن الذين آمنوا على قِلتهم يومئذٍ يظهر بينهم بغض مجادلة المشركين.
وعندي : أن أظهرَ من هذا أنّ الله أراد التنويه بالمؤمنين ولم يُرد إقناع المشركين فإنهم لا يعبأون ببغض المؤمنين ولا يصدقون ببغض الله إيّاهم، فالمقصود الثناء على المؤمنين بأنهم يكرهون الباطل، كما قال :( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( ( التوبة : ٧١ ) مع الإِشارة إلى تبجيل مكانتهم بأن ضمت عنديتهم إلى عندية الله تعالى على نحو قوله تعالى :( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ( ( آل عمران : ١٨ ) وقوله :( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( ( الأنفال : ٦٤ ) وقوله :( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( ( الأنفال : ٦٢ ) ونحو قول النبي ( ﷺ ) لما ذكر حديث كلام الذئب فتعجب بعض من حضر فقال :( آمنت بذلك وأبُو بكر ) ولم يكن أبو بكر في المجلس.
وفي إسناد كراهية الجدال في آيات الله بغير سلطان للمؤمنين تلقين للمؤمنين بالإِعراض عن مجادلة المشركين على نحو ما في قوله تعالى :( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ( ( القصص : ٥٥ )، وقوله :( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ( ( الفرقان : ٦٣ ) وقوله :( وإذا مروا باللغو مروا كراماً ( ( الفرقان : ٧٢ ).
والقول في ) كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ( كالقول في ) كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ).
والطبع : الختم، وتقدم في قوله تعالى :( ختم الله على قلوبهم ( في سورة البقرة.
والختم والطبع والأَكِنَّة : خَلْق الضلالة في القلب، أي النفس. والمتكبر : ذو الكبْر المبالغ فيه ولذلك استعيرت صيغة التكلف.


الصفحة التالية
Icon