" صفحة رقم ١٤٥ "
والجبّار : مثال مبالغة من الجبر، وهو الإكراه، فالجبار : الذي يُكره الناس على ما لا يحبون عمله لظلمه.
وقرأ الجمهور :( على كل قلب متكبر ( بإضافة ) قلب ( إلى ) متكبر. ( وقرأ أبو عمرو وحْده وابنُ ذكوان عن ابن عامر بتنوين ) قلبٍ على أن يكون متكبر ( و ) جبار ( صفتين ل ) قلب، ( ووصفُ القلب بالتكبر والجبر مجاز عقلي. والمقصود وصف صاحبه كقوله تعالى :( فإنه آثم قلبه ( ( البقرة : ٢٨٣ ) لأنه سبب الإِثم كما يقال : رأتْ عيني وسمعتْ أُذْني.
( ٣٦ ٣٧ ) ( ﷺ )
هذه مقالة أخرى لفرعون في مجلس آخر غير المجلس الذي حاجّه فيه موسى ولذلك عطف قوله بالواو كما أشرنا إليه فيما عطف من الأقوال السابقة آنفاً، وكما أشرنا إليه في سورة القصص، وتقدم الكلام هنالك مستوفى على نظير معنى هذه الآية على حسب ظاهرها، وتقدم ذكر ( هامان ) والصرح هنالك.
وقد لاح لي هنا محمل آخر أقرب أن يكون المقصودَ من الآية ينتظم مع ما ذكرناه هنالك في الغاية ويخالفه في الدلالة، وذلك أن يكون فرعون أمَر ببناء صرح لا لِقصد الارتقاء إلى السماوات بل ليخلُوَ بنفسه رياضة ليستمد الوحي من الربّ الذي ادعى موسى أنه أَوحَى إليه إذ قال : إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ( ( طه : ٤٨ ) فإن الارتياض في مكان منعزل عن الناس كان من شعار الاستيحاء الكهنوتي عندهم، وكان فرعون يحسب نفسه أهلاً لذلك لزعمه أنه ابن الآلهة وحامي الكهنة والهياكل. وإنما كان يشغله تدبير أمر المملكة فكان يكِل شؤون الديانة إلى الكهنة في معابدهم، فأراد في هذه الأزمة الجدلية أن يتصدى لذلك بنفسه ليكون قوله الفصل في نفي وجود إله آخر تضليلاً لدهماء أمته، لأنه أراد التوطئة للإِخبار بنفي إله أخر غير آلهتهم فأراد أن يتولى وسائل النفي بنفسه كما


الصفحة التالية
Icon