" صفحة رقم ١٤٦ "
كانت لليهود محاريب للخلوة للعبادة كما تقدم عند قوله تعالى :( فخرج على قومه من المحراب ( ( مريم : ١١ ) وقوله :( كلما دخل عليها زكريا المحراب ( ( آل عمران : ٣٧ ) ومن اتخاذ الرهبان النصارى صوامع في أعالي الجبال للخلوة للتعبد، ووجودها عند هذه الأمم يدل على أنها موجودة عند الأمم المعاصرة لهم والسابقة عليهم.
والأسباب : جمع سبب، والسبب ما يوصِّل إلى مكان بعيد، فيطلق السبب على الطريق، ويطلق على الحبل لأنهم كانوا يتوصلون به إلى أعلى النخيل. والمراد هنا : طرق السماوات، كما في قول زهير :
ومن هَاب أسبابَ المنايا يَنَلْنَه
وإن يَرْقَ أسبابَ السماء بسلّم
وانتصب ) أسبابَ السَّماواتِ ( على البدل المطابق لقوله :( الأسباب. ( وجيء بهذا الأسلوب من الاجمال ثم التفصيل للتشويق إلى المراد بالأسباب تفخيماً لشأنها وشأننِ عمله لأنه أمرٌ عجيب ليورَدَ على نفس متشوقة إلى معرفته وهي نفس ( هامان ).
والاطّلاع بتشديد الطاء مبالغة في الطلوع، والطلوع : الظهور. والأكثر أن يكون ظهوراً من ارتفاع، ويعرف ذلك أو عدمُه بتعدية الفعل فإن عُدي بحرف ( على ) فهو الظهور من ارتفاع، وإن عُدي بحرف ( إلى ) فهو ظهور مطلق.
وقرأ الجمهور :( فأَطَّلِعُ ( بالرفع تفريعاً على ) أبلغ ( كأنه قيل : أبلغُ ثم اطَّلِعُ، وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على جواب الترجي لمعاملة الترجي معاملة التمني وإن كان ذلك غير مشهور، والبصريون ينكرونه كأنه قيل : متى بلغتُ اطلعتُ، وقد تكون له ههنا نكتة وهي استعارة حرف الرجاء إلى معنى التمني على وجه الاستعارة التبعية إشارة إلى بُعْد ما ترجاه، وجعل نصب الفعل بعده قرينة على الاستعارة.
وبيْن ) إلى ( و ) إلاه ( الجناسُ الناقص بحرففٍ كما ورد مرتين في قول أبي تمام :
يمُدُّون من أَيْد عَواصصٍ عَوَاصِمٍ
تَصُول بأسياف قَوَاضٍ قَواضَبِ


الصفحة التالية
Icon