" صفحة رقم ١٤٩ "
ورتب خطبتُه على أسلوب تقديم الإِجمال ثم تعقيبه بالتفصيل، فابتدأ بقوله :( اتَّبِعُوننِ أَهدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ (، وسبيل الرشاد مجمل وهو على إجماله مما تتوق إليه النفوس، فربْطُ حصوله باتِّباعهم إيَّاه مما يُقبِل بهم على تلقّي ما يفسر هذا السبيل، ويسترعي أسماعهم إلى ما يقوله إذ لعله سيأتيهم بما ترغبه أنفسهم إذ قد يَظنون أنه نقحَ رأَيه ونخَل مقالَه وأنه سيأتي بما هو الحق الملائم لهم. وتقدم ذكر ) سبيل الرشاد ( آنفاً.
وأعاد النداء تأكيداً لإِقبالهم إذْ لاحت بوارقه فأكمل مقدمته بتفصيل ما أجمله يذكرهم بأن الحياة الدنيا محدودة بأجل غير طويل، وأن وراءها حياةً أبدية، لأنه علم أن أشدّ دفاعهم عن دينهم منبعثٌ عن محبة السيادة والرفاهية، وذلك من متاع الدنيا الزائل وأن الخير لهم هو العمل للسعادة الأبدية. وقد بنَى هذه المقدمة على ما كانوا عليه من معرفة أن وراء هذه الحياة حياة أبدية فيها حقيقة السعادة والشقاء، وفيها الجزاء على الحسنات والسّيئات بالنعيم أو العذاب، إذ كانت ديانتهم تثبت حياة أخرى بعد الحياة الدنيا ولكنها حَرفت معظم وسائل السعادة والشقاوة، فهذه حقائق مسلّمة عندهم على إجمالها وهي من نوع الأصول الموضوعة في صناعة الجَدل، وبذلك تمّت مقدمة خطبته وتهيأت نفوسهم لبيان مقصده المفسِّر لإِجمال مقدمته.
فجملة ) إنما هاذهِ الحيَواة الدُّنيا مَتاعٌ ( مبينة لجملة ) أهْدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ ). والمتاع : ما ينتفع به انتفاعاً مؤجلاً. والقرار : الدوام في المكان. والقصر المستفاد من قوله ) إنما هذه الحياة الدنيا متاع ( قصرُ موصوففٍ على صفة، أي لا صفة للدنيا إلا أنها نفع موقت، وهو قصر قلب لتنزيل قومه في تهالكهم على منافع الدنيا منزلة من يحسبها منافع خالدة.
وجملتا ) مَنْ عَمِلَ سَيِئَةً ( إلى آخرهما بيان لجملة ) وإنَّ الآخِرَة هِيَ دَارُ القَرارِ ( والقصر المستفاد من ضمير الفصل في قوله ) وَإِنَّ الآخِرَة هي دَارُ القَرارِ ( قصرُ قلْببٍ نظير القصر في قوله :( إنَّما هَذهِ الحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ (، وهو مؤكد للقصر في


الصفحة التالية
Icon