" صفحة رقم ١٥٠ "
قوله :( إنَّما هَذهِ الحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ ( من تأكيد إثبات ضد الحكم لضد المحكوم عليه، وهو قصر قلب، أي لاَ الدنيا. ( ومَنْ ) من قوله :( مَنْ عَمِلَ سَيِئةَ ( شرطية. ومعنى ) إلاَّ مِثْلَهَا ( المماثلة في الوصف الذي دل عليه اسم السيّئة وهو الجزاء السّيّء، أي لا يجزي عن عمل السوء بجزاء الخير، أي لا يطمعوا أن يعلموا السيئات وأنهم يجازَون عليها جزاءَ خير. وفي ( صحيح البخاري ) عن وهب بن منبه وكان كثير الوعظ للناس فقيل له، إنك بوعظك تقنط الناس فقال :( أأنا أقدر أن أقنط الناس والله يقول :( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ( ( الزمر : ٥٣ ) ولكنكم تُحبون أن تُبشَّروا بالجنة على مساوي أعمالكم ). وكأن المؤمن خصّ الجزاء بالأعمال لأنهم كانوا متهاونِين بالأعمال وكان قصارى ما يهتمون به هو حسن الإعتقاد في الآلهة، ولذلك توجد على جُدر المعابد المصرية صورة الحساب في هيئة وضع قلب الميت في الميزان ليكون جزاؤه على ما يفسر عنه ميزان قلبه.
ولذلك ترى مؤمن آل فرعون لم يهمل ذكر الإِيمان بعد أن اهتم بتقديم الأعمال فتراه يقول :( ومَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ (، فالإِيمان هو أُسٌّ هيكل النجاة، ولذلك كان الكفر أُسَّ الشقاء الأبدي فإن كل عمل سيّء فإن سُوءه وفساده جُزئي مُنقَضضٍ فكان العقاب عليه غير أبدي، وأما الكفر فهو سيئة دائمة مع صاحبها لأن مقرّها قلبه واعتقاده وهو ملازم له فلذلك كان عقابه أبدياً، لأن الحكمة تقتضي المناسبة بين الأسباب وآثارها فدل قوله :( فَلاَ يُجْزَىَ إلاَّ مِثلها ( أن جزاء الكفر شقاء أبدي لأن مِثْل الكفر في كونه ملازماً للكافر إِن مات كافراً.
وبهذا البيان أبطلنا قول المعتزلة والخوارج بمساواة مرتكب الكبائر للكافر في الخلود في العذاب، بأنه قول يفضي إلى إزالة مزية الإِيمان، وذلك تنافيه أدلة الشريعة البالغة مبلغ القطع، ونظير هذا المعنى قوله تعالى :( فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا ( ( البلد : ١٣ ١٧ ).
وترتيبه دخول الجنة على عمل الصالحات معناه : من عمل صالحاً ولم يعمل


الصفحة التالية
Icon