" صفحة رقم ١٥٦ "
بالرب الذي دعا إليه موسى، ومسرفون فيما يستتبعه ذلك من المعاصي والجرائم فضمير الفصل في قوله :( هُمْ أصْحابُ النَّارِ ( يفيد قصراً ادعائياً لأنهم المتناهون في صحبة النار بسبب الخلود بخلاف عصاة المؤمنين، وهذا لِحَمل كلام المؤمن على موافقة الواقع لأن المظنون به أنه نبي أو مُلْهَم وإلاّ فإن المقام مقام تمييز حال المؤمنين من حال المشركين، وليس مقام تفصيل درجات الجزاء في الآخرة.
هذا الكلام متاركة لقومه وتنهية لخطابه إياهم ولعله استشعر من ملامحهم أو من مقاطعتهم كلامه بعبارات الإِنكار، ما أيْأَسَه من تأثرهم بكلامه، فتحدّاهم بأنهم إن أعرضوا عن الانتصاح لنصحه سيندمون حين يرون العذاب إما في الدنيا كما اقتضاه تهديده لهم بقوله :( إنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْممِ الأحْزَابِ ( ( غافر : ٣٠ )، أو في الآخرة كما اقتضاه قوله :( إنِّي أخافُ عليكم يَومَ التَّنادِ ( ( غافر : ٣٢ )، فالفاء تفريع على جملة ) ما لِيَ أدْعُوكم إلى النجواةِ وتَدْعُونني إلى النَّار ( ( غافر : ٤١ ).
وفعل ) ستذكرون ( مشتق من الذُّكْر بضم الذال وهو ضد النسيان، أي ستذكرون في عقولكم، أي ما أقول لكم الآن يحضر نصب بصائركم يوم تحققه، فشبه الإِعراض بالنسيان ورمز إلى النسيان بما هو من لوازمه في العقل مُلازمةَ الضد لضده وهو التذكر على طريقة المكنية وفي قرينتها استعارة تبعية. والمعنى سيحلّ بكم من العذاب ما يُذَكِّركم ما أقوله : إنَّه سيحل بكم.
وجملة ) وَأُفَوِّضُ أمرِي إلى الله ( عطف على جملة ) ما لي أدعوكم إلى النجواة وتدعونني إلى النار (، ومساق هذه الجملة مساق الانتصاف منهم لما أظهروه له من الشرّ، يعني : أني أَكِل شأني وشأنكم معي إلى الله فهو يجزي كل فاعل بما فعل، وهذا كلام مُنصِف فالمراد ب ) أمري ( شأني ومُهمّي.


الصفحة التالية
Icon