" صفحة رقم ١٦٦ "
ومعنى تفريعه عليه هو أنه مفرع عليه باعتبار معناه الكِنائي الذي هو التنصل من أن يَدعُوا لهم، أي كما توليتم الإعراض عن الرسل استبداداً بآرائكم فتولَّوا اليومَ أمرَ أنفسكم فادعوا أنتم، فإن ( من تولى قُرها يَتولَّى حَرَّها )، فالأمر في قوله :( فادعو ( مستعمل في الإِباحة أو في التسوية، وفيه تنبيه على خطإِ السائلين في سُؤالهم.
وزيادة فعل الكَون في ) أوَلَمْ تَكُ تَأتِيكم ( للدلالة على أن مجيء الرسل إلى الأمم أمر متقرر محقّق، لما يدل عليه فعل الكَون من الوجود بمعنى التحقق، وأما الدلالة على أن فعل الإِتيان كان في الزمن الماضي فهو مستفاد من ( لَم ) النافية في الماضي.
والضلال : الضياع، وأصله : خطأ الطريق، كما في قوله تعالى :( أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ( ( السجدة : ١٠ ).
والمعنى : أن دعاءهم لا ينفعهم ولا يُقبل منهم، وسواء كان قوله :( وَمَا دُعاء الكافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلالٍ ( من كلام الملائكة أو من كلام الله تعالى فهو مقتض عموم دعائهم لأن المصدر المضاف من صيغ العموم فيقتضي أن دعاء الكافرين غير متقبل في الآخرة وفي الدنيا لأن عموم الذوات يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة.
وأما ما يوهم استجابة دعاء الكافرين نحو قوله تعالى :( قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ( ( الأنعام : ٦٣، ٦٤ ) وقوله :( دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ( ( يونس : ٢٢، ٢٣ )، فظاهر أن هذه لا تدل على استجابة كرامة ولكنها لتسجيل كفرهم ونكرانهم، وقد يُتوهم في بعض الأحوال أن يَدْعو الكافر فيقع ما طَلبه وإنما ذلك لمصادفة دعائه وقَت إجابة دعاء غيره من الصالحين، وكيف يستجاب دعاء الكافر وقد جاء عن النبي ( ﷺ ) استبعاد استجابة دعاء المؤمن الذي يأكل الحرام ويلبس الحرام في حديث مسلم عن أبي هريرة :( ذَكَر رسول الله ( ﷺ ) رَجُلاً يُطيلُ السَّفَر أشعثَ أَغْبَرَ يُمدُّ يديْه إلى السماء : يا رَبِّ يا رَبِّ، ومطعَمُه حَرام ومَشْرَبُه حرام وغُذّي


الصفحة التالية
Icon