" صفحة رقم ١٧٢ "
جرى الكلام من أول السورة إلى هنا في مَيدان الرد على مجادلة المشركين في آيات الله ودَحض شُبههم وتوعدهم على كفرهم وضرب الأمثال لهم بأمثالهم من أهل العناد ابتداء من قوله :( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ( ( غافر : ٤ ) وقوله :( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ( ( غافر : ٢١ )، كما ذُكرت أمثال أضدادهم من أهل الإِيمان من حَضَر منهم ومَن غَبَرَ من قوله :( ولقد أرسلنا موسى بئاياتنا وسلطان مبين إلى فرعون ( هود : ٩٦، ٩٧ ) ثم قوله : وقال رجل مؤمن من ءال فرعون ( ( غافر : ٢٨ )، وخُتم ذلك بوعد النبي ( ﷺ ) والمؤمنين بالنصر كما نُصر النبيئون من قبله والذين آمنوا بهم، وأُمر بالصبر على عناد قومه والتوجه إلى عبادة ربه، فكان ذكر الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان عقب ذلك من باب المثل المشهور :( الشيء بالشيء يُذكر ).
وبهذه المناسبة انتقل هنا إلى كشف ما تكنه صدور المجادلين من أسباب جدالهم بغير حق، ليَعلم الرسول ( ﷺ ) دخيلتهم فلا يحسب أنهم يكذبونه تنقصاً له ولا تجويزاً للكذب عليه، ولكن الذي يدفعهم إلى التكذيب هو التكبر عن أن يكونوا تبعاً للرسول ( ﷺ ) ووراء الذين سبقوهم بالإِيمان ممن كانوا لا يعبَأون بهم. وهذا نحو قوله تعالى :( قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( ( الأنعام : ٣٣ ).
فقوله :( إنَّ الذينَ يُجادلُونَ في ءاياتتِ الله ( الآية استئناف ابتدائي وهو كالتكرير لِجملة ) الذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله ( ( غافر : ٣٥ ) تكرير تعداد للتوبيخ عند تنهية غرض الاستدلال كما يوقَّف الموبخ المرة بعد المرة. و ) الذِينَ يُجادِلُونَ ( هم مشركو أهل مكة وهم المخبَر عنهم في قوله أولَ السورة :( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( ( غافر : ٤ ). ومعنى المجادلة في آيات الله تقدم هنالك.


الصفحة التالية
Icon