" صفحة رقم ١٩٣ "
قوله :( هُوَ الحَيُّ ( وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداد بحياة ما سواه من الأحياء لأنها عارضة ومعرّضة للفناء والزوال.
فموقع قوله :( لا إلاهَ إلاَّ هُوَ ( موقع النتيجة من الدليل لأن كل من سواه لا حياة له واجبةً، فهو معرض للزوال فكيف يكون إلهاً مدبراً للعالم. وجميع ما عبد من دون الله هو بَيْن ما لم يتصف بالحياة تماماً كالأصنام من الحجارة أو الخشب أو المعادن. ومثلَ الكواكب الشمسسِ والقمر والشجر، وبين ما اتّصف بحياة عارضة غير زائلة كالملائكة، وبين ما اتصف بحياة عارضة زائلة من معبودات البشر مثل ( بُوذة ) و ( بَرْهَما ) بَلْهَ المعبودات من البقر والثعابين. قال تعالى :( والذين تدعون من دون اللَّه لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ( ( النحل : ٢٠ ) أي لا يستطيع أحدهم التصرف بالإِيجاد والإِحياء وهو مخلوق، أي معرض للحياة ) أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون ( ( النحل : ٢١ ) فجعل نفي الحياة عنهم في الحال أو في المآل دلالة على انتفاء إلهيتهم وجعل نفي إدراك بعض المدركات عنهم دلالة على انتفاء إلهيتهم.
وبعد اتضاح الدلالة على انفراده تعالى بالإِلهية فرع عليه الأمر بعبادته وحده غير مشركين غيره في العبادة لنهوض انفراده باستحقاق أن يُعبد.
والدعاء : العبادة لأنها يلازمها السؤال والنداء في أولها وفي أثنائها غالباً، لأن الدعاء عنوان انكسار النفس وخضوعها كما تقدم آنفاً عند قوله تعالى :( وقَالَ رَبُّكم ادعُوني أستَجِبْ لَكُم ( ( غافر : ٦٠ ) وكما في قوله الآتي :( بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً ( ( غافر : ٧٤ ).
والإِخلاص : الإِفراد وتصفية الشيء مما ينافيه أو يفسده.
والدين : المعاملة. وأطلق على الطاعة وهو المراد هنا لأنها أشد أنواع المعاملة بين المطيع والمطاع. والمعنى : فإذ كان هو الحي دون الأصنام وكان لا إله غيره فاعبدوه غير مشركين معه غيره في عبادته.
ويدخل في ماهية الإِخلاص دخولاً أولياً ترك الرِّيَاء في العبادة لأن الرياء وهو أن


الصفحة التالية
Icon